وائل عبد الفتاحوترى أطراف عديدة أن محاكمة الشاطر نفسها هي نوع من العقاب القاسي للخروج عن الاتفاق في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب. الشاطر كان مهندس اللعبة السياسية، واتفق على أن يترشّح ١٢٠ من «الإخوان»، ينجح بينهم ٥٠. لكن المرشد والحرس القديم أصرا على 190 مرشّحاً، نجح منهم ٨٨، وهو رقم أزعج النظام وأربك ترتيباته الداخلية، ولا سيما أن الاتفاق مع الشاطر لم يؤخذ بجدية كافية وقتها، لأن مجموعة جمال مبارك تولت إدارة الانتخابات للمرّة الأولى، وأعلنت أنها لن تلتزم بالطرق القديمة، ولا تحتاج إلى اتفاق مسبق مع «الإخوان» ولا مع غيرهم. لكن نتائج المرحلة الأولى أشارت إلى اقتراب الكارثة بالنسبة للحزب الحاكم.
الانتصارات المبكرة لـ«الإخوان» أطاحت مجموعة جمال مبارك من الإدارة المباشرة، لتعود الإدارة إلى الحرس القديم الذي قرر مع عودته عقاب خيرت الشاطر ومجموعة رجال الأعمال، لتفقد الجماعة في ضربة واحدة المال والعقل.
الشاطر أدى دور «العقل»، الواجهة التي تتيح للرجل الثاني العمل بعيداً من الأضواء الباهرة. الشاطر أدى الدور بمهارة فريدة أتاحت للجماعة التمدد والحركة من دون ضغوط كبيرة من أجهزة النظام، وخصوصاً مع اتساع نشاطاته المالية ومساعدته في تكوين شريحة من الناجحين اقتصادياً، مثّلوا «أمراء المال» والجسر الذي عبرت به الجماعة إلى طبقات اجتماعية جديدة.
الآن الجماعة بلا عقل ولا مهندس. مرتبكة. ليست قادرة على اتخاذ قرار بشأن شكل المواجهة مع النظام (أو الرد عليه)، بداية من المشاركة في انتخابات المحليات أو الموافقة على الإضراب العام في نيسان ثم في أيار، حتى قرار الطعن لم يستطع أحد أن يتخذه، لأن الطعن بقرار المحكمة العسكريّة يمثل اعترافاً بها، وهو ما يرفضه «الإخوان»، لكن في النهاية جاء القرار من خلف القضبان بالطعن.
منظمات وشخصيات كثيرة في مصر رفضت أحكام المحكمة العسكرية، وطالب المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة الرئيس مبارك بعدم التصديق عليه، وإعادة المحاكمة أمام القاضي الطبيعي. ورغم ذلك، فالقضية لا تزال «إخوانية» صرفاً، لأن الجماعة تعاملت في السنوات الأخيرة على أنها «الوحيدة في المعارضة» و«أجندتها» فوق كل شيء، وترى أنها طرف المعادلة مع النظام، وبقية المعارضة كورس عليه أن يختار بين الجماعة والنظام. وربما كان هذا جزءاً من اتفاق سري يعزل الجماعة عن تيار المعارضة، أو يخيف المعارضة من أن تكون جسر «الإخوان» للوصول إلى السلطة.