القاهرة ــ وائل عبد الفتاحولم تتمّ استشارة مسؤولين في الدولة ولا خبراء من خارجها ليكشف عن التعجّل والارتباك الذي بدا حين تراجعت الحكومة عن تقسيماتها الجديدة وأعادت ضم قريتي الصف واطفيح إلى محافظة حلوان، بعدما كانت في الجيزة ونقلتها النسخة الأولى من القرارات إلى الفيوم. الحكومة أعلنت أن التراجع جرى بناءً على رغبة الجماهير، وهو ما جرى أيضاً مع سكان الواحات بعد تظاهرات غضب من نقلهم إلى محافظة المنيا، والتعديلات نفذت رغبتهم في الانضمام إلى حلوان.
التعجل في قرارات التغيير كشف عن أنها ضمن إجراءات مواجهة انتقال العنف من أطراف القاهرة (المحلة الكبرى) إلى العاصمة المركزية، وهو انتقال متوقّع مع تزايد حالة الغليان الشعبي وقرار المحافظين هو محاولة نزع فتيل القنبلة و«تبريد» الحالة بإبعادها أولاً عن العاصمة.
كما أسفرت «الحركة» عن تدعيم «الدولة البوليسية»، حيث ارتفع عدد المحافظين من ضباط سابقين في الجيش والشرطة إلى ١٩ محافظاً، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ مصر منذ ثورة تموز ١٩٥٢. الغالبية هذه المرة لضباط الشرطة، وخصوصاً من جهاز مباحث أمن الدولة.
وكان لافتاً تغيير محافظ الغربية التي تتبعها مدينة المحلة الكبرى. المحافظ السابق مهندس بينما الجديد مفتش في أمن الدولة، وهي إشارة إلى رغبة عليا في إحكام السيطرة الأمنية على المدينة القلقة.
الانقلاب الكبير هو إعادة تقسيم العاصمة من محافظتين إلى أربع محافظات، بعد إضافة «حلوان» و«أكتوبر»، وهو مطلب قديم بعد توحّش القاهرة وتمدّدها السرطاني عمرانياً وسكانياً (تقترب من ١٨ مليون ساكن) لكن تنفيذه الآن يأتي ضمن خطة أمنية تهدف إلى تقوية إحكام القبضة الأمنية على العاصمة.
يبقى أن تفكيك العاصمة يأتي ضمن خطة اجتماعية تبعد المدن الجديدة، وخصوصاً ما يسمّى «تجمعات الأثرياء»، إلى فضاء معزول نسبياً بعيداً عن بيروقراطية مرهقة بزحام القاهرة. التقسيم الجديد يمنح فرصة لرواج مالي تستفيد منه أحزمة الفقر حول القاهرة، وهو ما يطفئ نيران الغضب إلى حد ما، وهذا ما فسره دوران السيارات الحكومية بميكرفونات في مناطق فقيرة تبشر سكانها بالرخاء الآتي مع تحوّل الأحياء إلى محافظات.
ويتأكّد دور البعد الطبقي في دوائر صنع القرار مع ما كُشف عنه من دور لوزير الإسكان أحمد المغربي في ترشيحات المحافظين الجدد، حيث إنه من بين المحافظين غير العسكريين ٣ من مساعدي المغربي، الذي يُنظر إليه على أنه مهندس عمران الطبقات الجديدة.
هكذا تقاسم العسكر ورجال الأعمال حركة المحافظين في إشارة غير مباشرة إلى شكل المستقبل المحتمل للحكم في مصر، ما يوحي بفترة استيعاب لصدمة التقسيمات الجديدة وبأن لدى النظام ما يفعله، وخصوصاً أن الإجراءات الأمنية تتعامل بمنطقها القديم في إجهاض الإضراب المتوقع في ٤ أيار المقبل.
في هذا الوقت، لا يزال الأمن متحفّظاً على معتقلي إضراب نيسان، رغم قرارات النيابة بالإفراج عنهم. كما أن تقريراً لمباحث جرائم الإنترنت وصل إلى قادة الأمن رأى أنه «لكي يتم إجراء وقائي لا بد من اعتقال ٥٠ ألف مواطن ينقلون الدعوة إلى الإضراب عبر وسائل الاتصال الحديثة».