هل بدأ السحر ينقلب على الساحر؟ غموض التساؤل يزول مع رصد التقارير الإعلاميّة التي أشارت إلى أنّ حزب المعارضة الأكبر في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، معرَّض للحظر أمام المحكمة الدستوريّة. وهي نفسها التي تنظر بدعاوى حظر 3 أحزاب: «العدالة والتنمية» الحاكم بدعوى «تحوّله إلى بؤرة معادية لقيم العلمانيّة»، و«الحركة القوميّة» (ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان) بدعوى تمييز عنصري ضدّ الأكراد، واليوم، «الشعب الجمهوري» بدعوى تحويل أموال بشكل غير قانوني لتمويل مؤسسات خاصّة، أهمّها التلفزيون التابع للحزب، «كانال تورك».القضيّة ليست بجديدة، بل تعود جذورها إلى العام الماضي، حين أحالت وزارة الماليّة في حكومة رجب طيب أردوغان القضيّة على المحكمة الدستوريّة والمدعي العام في إسطنبول ضدّ الحزب، لكونه حوّل كميّة كبيرة من أمواله الخاصّة إلى التلفزيون المذكور، وهو ما يُعَدّ مخالفة لعدد من مواد القانون الذي ينظّم عمل الأحزاب السياسيّة. واليوم، تحرّكت الدعوى وانطلقت إجراءاتها القانونيّة، علماً بأنّ عدداً من الأحزاب التركيّة سبق وحُظرت في الماضي على خلفيّة دعاوى ماليّة شبيهة.
المثير في الموضوع أنّ أسلوب اللجوء إلى المحكمة الدستوريّة، المؤسسة الأقوى في البلاد، التي يمكن وصفها بأنها السلطة التنفيذيّة بيد العسكر والعلمانيّين، هو علامة تجاريّة شبه حصريّة في نهج حزب الشعب الجمهوري ضدّ خصومه. خصوم ينحصرون اليوم فعليّاً في الحزب الإسلامي المعتدل، إلى جانب أكراد البلاد وأحزابهم. لكنّ «تقسيم الأدوار» بين المعارضة التركيّة، خصّ الإجراءات العدائيّة ضدّ الأكراد بحزب «الحركة القوميّة»، ليتفرّغ «الجمهوريّون» لإسلاميّي أردوغان وعبد الله غول.
ومع قبول المحكمة الدستوريّة النظر بحظر الحزب المعارض، يظهر احتمال أن تغيب عن الحياة السياسيّة التركيّة، «عادة» أدرجها «الشعب الجمهوري» في تعطيل تنفيذ كلّ قانون يتقدّم به «العدالة والتنمية» ويقرّه البرلمان، عبر تقديم طعن فيه أمام المحكمة الدستوريّة.
وفي تحقيق نشرته صحيفة «زمان» المقرّبة من حزب أردوغان، تبيّن أنّ الدعاوى البالغ عددها 120 تقدّم بها الحزب المعارض منذ تسلّم «العدالة والتنمية» الحكم في عام 2002، حتّى انتخاب غول في آب 2007، كلّفت خزينة الدولة، 100 مليار دولار، كخسائر مباشرة أو غير مباشرة. علماً بأنّ الخسائر السياسيّة التي سبّبتها هذه الطعون، من ناحية العلاقات الخارجيّة لتركيا وخصوصاً في الملف الأوروبي، تبقى هي الأكبر.
وخلفيّة هذه الطعون ليست إلا سياسيّة، وهي تعبير عن قرار عرقلة أيّ عمل تحاول الحكومة السير به. هكذا، فإنّ جميع مشاريع القوانين التي تقدّمت بها وزارة أردوغان ما بين 2002 و2007، أي في ولاية الرئيس أحمد نجدت سيزر، تعرّضت للطعن.
فعلى سبيل المثال، عرقل تنفيذ قانون أقرّه البرلمان يسمح ببيع أملاك حكوميّة، هي عبارة عن غابات قيمتها ـــــ إذا ما بيعت ـــــ 25 مليار دولار. كما عرقل قانون الإصلاح الضريبي الذي كان، بحسب الصحيفة، سيؤدّي إلى خفض كبير للعجز في قطاع الضمان الاجتماعي الذي يبلغ 22 مليار دولار.
وحال الفيتو الدائم لحزب الشعب أيضاً دون تنفيذ قوانين المنشآت النوويّة، ومحاربة الإسكان غير الشرعي، وقانون التنصّت الهاتفي. وسيزر، وهو رئيس سابق للمحكمة الدستوريّة، كان فور إقرار كل من هذه القوانين (والعشرات غيرها)، يضع فيتو عليها مباشرة، قبل أن يعود البرلمان ويصوّت عليها بغالبيّة الثلثين، حينها يأتي دور حزب الشعب لتقديم طعن به أمام المحكمة الدستوريّة.
(الأخبار)