معمر عطويلم يجانب الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الحقيقة، حينما أعلن قبل سنوات خلت، أن «أميركا اللاتينية تشهد انعطافة كبيرة نحو اليسار معادية للولايات المتحدة»؛ فقد أصبح الرئيس الجديد للباراغواي، فرناندو لوغو، أحد مصاديق هذه الانعطافة إلى جانب العديد من زعماء دول أميركا الجنوبية المُنحدرين من التيارات اليسارية والفقراء.
لكن ما غاب عن ذهن الزعيم الثوري، الذي يقود بالاشتراك مع كوبا حلفاً عريضاً ضد هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة، أن هذه الانعطافة «الحمراء» لم تتوقَّف عند حدود أميركا اللاتينية، بل تعدَّتها إلى مناطق عديدة في العالم، بما يشبه «الصحوة» من سُبات طويل، أصبحت فيه العديد من دول العالم الثالث رهينة للبنك الدولي وإملاءات سياسة «الكبار».
لقد فتح فوز «أبو الفقراء» في معركة رئاسة الباراغواي، الباب على مشهد جديد في العالم، بدأت إرهاصاته منذ فوز البوليفاريين في فنزويلا في عام 1999، وصولاً إلى فوز الشيوعي القبرصي ديميتريس كريستوفياس بمنصب الرئاسة في القسم اليوناني من الجزيرة المتوسطية الشهر الماضي.
وما بين هذا وذاك سلسلة طويلة من النجاحات التي حققها اليساريون بتياراتهم المتعددة، إذ إن اليسار الجديد الذي يشهده العالم اليوم لم يعد مُتخّذاً تلك الصورة النمطية للشيوعية التقليدية التي عاشها الاتحاد السوفياتي السابق لأكثر من سبعين سنة.
لقد أصبح اليسار متعدداً في رؤيته الاقتصادية وأبعاده الفكرية وأدائه السياسي ليتناسب مع المرحلة والتحولات العالمية. لذلك يشهد العالم اليوم أنماطاً مختلفة من اليسار: فنزويلا والإكوادور وبوليفيا والأوروغواي وتشيلي ونيكارغوا وكوبا وكوريا الشمالية، بلدان يسارية تنتهج سياسة أصلب تجاه المشروع الأميركي من الأرجنتين والبرازيل والصين والأحزاب الاشتراكية في أوروبا، على غرار حزب خوسيه لويس ثاباتيرو الحاكم في إسبانيا.
لكن هذه النماذج، وإن كان تأثيرها محدوداً، استطاعت استنساخ نماذج أخرى، في تحولات غير مسبوقة، مثل فوز الماويين في النيبال في العاشر من الشهر الجاري بالانتخابات وتمكّنهم من إسقاط الملكية. لكن هذا النموذج الذي اعتمد الكفاح المُسلَّح ضد الملكية استطاع أن يبلور رؤية استيعابية للحكم تُمكّنه من العمل مع غيره من الأحزاب لصياغة دستور جديد للبلاد، في إشارة واضحة إلى أن صيغة الحزب الواحد لم تعد واردة في قاموس اليساريين الجُدد.
وما تشهده ألمانيا على صعيد الانتخابات المحلية من تقدم لليسار، الذي لمع نجمه منذ تحالف زعيم الحزب الشيوعي السابق غريغوري غيزي مع المُنشق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي أوسكار لافونتين، يشير إلى انخراط اليسار الجديد في لعبة تداول السلطة والخروج بأقل خسائر ممكنة على صعيد إيجاد صيغة للحكم تُعزز العمل النقابي من دون أن تلجأ إلى مصادرة الملكية الخاصة والتأميم الشامل للثروة.
لعلَّ خير من عبّر عن هذه الرؤية الجديدة، الرئيس الإكوادوري رافاييل كوريا، بقوله: «إن هناك طرقاً جديدة للتفكير، وأحزاباً جديدة تتولى السلطة في المنطقة، وهم أكثر عدلاً ويخدمون واقع المنطقة».