strong>تحرص حركة «حماس» على توظيف عقيدتها وقناعتها الدينية في عملها السياسي، والتحولات التي طرأت عليه لم تخرقها، ولا سيما لجهة قبولها بدولة مؤقتة على أراضي الـ 1967 والهدنة الطويلة الأمد المرتبطة بـ«الحتمية القرآنية لزوال إسرائيل» عام 2022، بحسب منظّري الحركة. إلا أن الاستفتاء قد يكون المس الأوّل، وإن كان مؤجّلاً، لميثاق الحركة وإيديولوجيتها
حسام كنفاني
الاستفتاء على اتفاق سلام، هو جديد الواقعية السياسيّة الإسلامية، الذي تتعاطى به حركة «حماس» منذ وصولها إلى السلطة في عام 2006 في محاولة لكسر الحظر السياسي المضروب عليها. وهو قد يكون مجرّد مرحلة في مسار التحوّل الطويل الذي رافق الحركة منذ نشأتها في عام 1987 إلى اليوم.
تحوّل كانت بدايته في الاعتراف بالسلطة الفلسطينية الخارجة من رحم اتفاق أوسلو، ثم قبول المشاركة في العملية السياسية عبر خوض الانتخابات البلدية، ثمّ التشريعية، وصولاً إلى تولّي رئاسة حكومة السلطة الفلسطينية. والمحطّة الأبرز في هذا التحوّل كانت القبول بـ«دولة مؤقتة على الأراضي المحتلة في عام 1967 والتوصل إلى اتفاق هدنة طويل الأمد مع إسرائيل». هذا القبول ورد على لسان أكثر من مسؤول في «حماس»، بداية من مؤسس الحركة، الشهيد أحمد ياسين في عام 1988، وانتهاءً برئيس مكتبها السياسي خالد مشعل خلال مؤتمره الصحافي في دمشق الأحد الماضي.
تحوّلات «حماس» أثارت أكثر من تساؤل عن تماهيها مع عقيدة الحركة الإسلامية المنصوص عليها في ميثاقها الوطني. إلا أن ما يتضح إلى الآن، أن الحركة لا تزال تناور تحت سقف هذا الميثاق والإيديولوجيا التي باتت توظفها الحركة الإسلامية في عملها السياسي. ولعل الحديث المتكرّر عن الهدنة الطويلة الأمد هو الجزء الأبرز من هذا التوظيف الذي يخدم العقيدة والميثاق.
فما الغاية من الهدنة، ما دامت «حماس» تصرّ على استمرار الصراع مع إسرائيل وعدم الاعتراف بالدولة العبرية والتمسّك بأراضي فلسطين التاريخية؟
قياديو الحركة الإسلامية ومنظّروها يجمعون، في خطبهم وكتبهم، على الإيمان المتجذّر بنظرية زوال إسرائيل من الوجود في عام 2022. إيمان مستند، وفق نظريتهم، إلى حسابات قرآنية معقّدة وتأويلات توراتية.
الشيخ أحمد ياسين تحدّث عن زوال إسرائيل، مستنداً إلى «أدلّة قرآنية وتاريخية»، مشيراً إلى أن «الدليل القرآني يكمن في أن الله يغير الأقوام كل أربعين سنة». ودليله التاريخي هو عندما خضع المسلمون لحكم الصليبيين أربعين عاماً، ثم قاوموهم حتى تحقق لهم النصر.
ويذكر ياسين أنه منذ عام 1948 لم تظهر أي مقاومة لليهود حتى عام 1987 تاريخ الانتفاضة الأولى، أي بعد مرور أربعين عاماً على النكبة، متوقّعاً أنه بعد أربعين عاماً «تندثر إسرائيل تماماً بإرادة الله».
ياسين أيضاً تحدّث عن «نبوءة قرآنية» بزوال إسرائيل في عام 2022. «نبوءة» وثقها الكاتب الإسلامي «الحمساوي» بسام جرّار في عام 1993 بعنوان «زوال إسرائيل 2022، نبوءة أم صدفة رقمية». ولقي الكتاب قبولاً واسعاً لدى أوساط فكرية وشعبية.
جرّار اعتمد على حسابات رقمية معقدة، مستندة إلى ما يعرف بحساب «الجُمَّل» القائم على ترقيم الأحرف، للإشارة إلى أن إسرائيل تدوم 76 عاماً ميلادية. لكن بما أن اليهود يتعاملون دينياً بالشهر القمري، ويضيفون كل ثلاث سنوات شهراً للتوفيق بين السنة القمريّة والشمسيّة، فإن إسرائيل تدوم حتى 1443 هجري، وهذا يوافق 2022 ميلادي. ويورد جرار أيضاً رواية عن عجوز يهودية قالت «إنّ قيام إسرائيل سيكون سبباً في ذبح اليهود وستدوم 76 سنة»، رابطة الأمر بدورة المُذنّب هالي، الذي يقول إنه «مرتبط بعقائد اليهود». ويستند إلى دراسات فلكية لتوضيح أن دورة المُذنّب هالي مرّة واحدة تكمل كل 76 سنة شمسية مرّة، وأنّه بدأ آخر دوراته عام 1948.
كما يستند باحثون إسلاميون إلى نصوص توراتية ونبوءات حاخامين للإشارة إلى أن إسرائيل تستمر 11 «سبوتاً». والسبوت في المفهوم التوراتي هو السنة السابعة التي يمنع خلالها اليهود من زراعة أراضيهم. أي إن الزوال قد يأتي بعد 77 عاماً شمسياً على إقامة إسرائيل، ما يماشي توافق المنظرين الإسلاميين على عام 2022.
بحسب هذه التنظيرات «الحمساوية» والإسلامية، فإن الهدنة الطويلة الأمد، أو هدنة السنوات العشر، تتوافق مع شعار الحركة الإسلامية القديم «زوال إسرائيل حتميّة قرآنية»، وهو عنوان كتاب أيضاً للشيخ الفلسطيني أسعد بيوض التميمي. وبالتالي فالحركة تنطلق من هذه القناعة لطرح الهدنة، على اعتبار أن «موعد المواجهة الحاسمة» لم يحن بعد، ومن الممكن الاستفادة من الهدنة لتقوية الجبهة «الحمساوية».
وإذا كانت الهدنة تحت سقف الإيديولوجيا، فكذلك القبول بدولة عام 1967 «دولةً مؤقّتةً» يبقى تحوّلاً تحت سقف ميثاق الحركة، الذي نصّت مادته الحادية عشرة على أن «أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها، ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية، ولا يملك ذلك ملك أو رئيس أو كل الملوك والرؤساء، ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربية، لأن فلسطين أرض وقف إسلامي على الأجيال الإسلامية إلى يوم القيامة».
وما إعلان الحركة الإسلامية القبول بـ«الدولة المؤقتّة» إلا تحايل على الميثاق، على اعتبار أنها لم تعلن إلى اليوم التخلي عن أراضي الوقف هذه من دون الاعتراف بسالبي هذه الأرض، وبالتالي لم تتنازل عن العقيدة التي قامت عليها، بل وظّفت واقعيتها في خدمة استمرارية هذه العقيدة من دون المسّ فيها. وإذا كانت «حماس» قد استطاعت خلال فترة التحوّلات الطويلة التي مرّت بها أن توازن بين واقعيتها وميثاقها وعقيدتها، إلا أن ما أعلن عن استعدادها للقبول بنتائج استفتاء على اتفاق سلام موقّع مع الدولة العبرية يمثّل مسّاً مبدئيّاً بميثاق الحركة الإسلامية، وهو ما أثار إرباكاً داخل «حماس»، إذ اختلفت التفسيرات بين من ربطها بالمصالحة الوطنية، ومن ربطها بشمول الاستفتاء لاتفاق السلام في الداخل والخارج.
ورغم أن ملامح اتفاق السلام لا تزال بعيد ومستبعدة، إلا أنه لا بد من طرح التساؤل التالي: ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق سلام على إقامة دولة بغير الشروط التي أعلنها خالد مشعل، أي حق عودة كامل وحدود الـ 67 كاملة، وتمّت الموافقة عليه باستفتاء شعبي شارك فيه فلسطينيو الداخل والخارج؟ ما هو موقف «حماس» في الحال هذه، مع العلم بأن اتفاق سلام يعني أن لا دولة مؤقتة؟ والقبول باتفاق قد يعني أيضاً القبول بطرف آخر مشارك فيه.
قد تكون «حماس» ترى أن الإجابة عن هذه الأسئلة سابق لأوانه، إلا أنها قد تعطي فكرة عن المنحى الذي قد تتخذه «حماس» في المستقبل، وقابليتها للتكيّف مع الواقع ضمن سياسة إسلامية واقعية.


«حيفا عربية» يقسم أحزاب فلسطينيي 48
قرّرت «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» و«الحزب الشيوعي»، الانسحاب من اللجنة الشعبية لإحياء ذكرى احتلال مدينة حيفا، اعتراضاً على شعار «هنا حيفا عربية»، حيث صمّم مندوبو الجبهة والحزب الشيوعي على تبديل الشعار بـ«حيفا تتسع للجميع».
وقال جول جمّال، سكرتير فرع الجبهة الديموقراطية في حيفا، «رفضنا الشعار قطعاً لأنه لا يخدم قضيتنا الوطنية بل يخدم أعداءها، بغض النظر عن نوايا أصحاب هذا الشعار الذي، أقل ما يقال فيه، إنه يحوّل الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم»، مشيراً إلى أن «شعارنا البديل هو باقون في حيفا، عائدون إلى حيفا، حيفا تتسع للجميع».
وردّ سكرتير فرع حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» في حيفا، مبدا كيّال، أنّ «حيفا كانت مدينة عربية فلسطينية قبل 60 عاماً، ولا نقاش في هذا»، مشدداً على أنّ مثل هذا الشعار «لا يحمل العدائية لأي طرف». وتابع أنّ «حيفا تتعرض لحملة شرسة من أجل محو معالمها العربية وانتماء سكانها، وهنا ضرورة ملّحة للتأكيد على الانتماء العربي، وتاريخ هذه المدينة التي تحاول المؤسسة إخفاءه بشتى الوسائل». وأضاف «نحن أيضاً نؤمن بالتعايش الحقيقي، والمساواة الحقيقية، لكننا لا نؤمن بالطبع بتعايش مزيف يرتكز أساساً على مشتريات اليهود وإعجابهم بالحمص العربي».
ومن أجل تجاوز الخلافات، تبنت اللجنة شعار «حق العودة إلى حيفا»، إلا أنّ هذا الأمر كان متأخراً، إذ أحيت الجبهة الديموقراطية والحزب الشيوعي نشاطات منفصلة عن تلك التي دعت إليها اللجنة الشعبية.
(الأخبار)