معمر عطويمن المؤكد أن الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي تشهدها طهران اليوم، ستُحدّد من سيسيطر على المقاعد الـ82 الباقية في مجلس الشورى الإسلامي، التي لم تُحسم في الدورة الأولى التي أجريت في 14 آذار الماضي وسيطر خلالها المبدئيون (المحافظون) على غالبية المقاعد.
وتأتي إقالة وزير الداخلية، مصطفى بور محمدي، لتؤكد التخبّط الذي يواجهه الرئيس محمود أحمدي نجاد، في ظل تصاعد حدة الانتقادات ضد سياسته من داخل معسكره.
لقد فتحت معركة الرئاسة التي ستجرى في العام المقبل الباب أمام منافسة حادة بين أقطاب المبدئيين، فبات نجاد بسبب سياسته الاقتصادية غير المجدية، أضعف المرشَّحين، فيما بزغ نجم كل من الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، وعمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف، والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، كمرشحين محتملين للرئاسة.
ربما كان توصيف الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مهدي خالاجي، أقرب إلى الواقع، حين يقول إن حزب نجاد «رائحة الخدمة الزكية»، استطاع بتحالفه مع غيره من المبدئيين تحت عنوان «الجبهة الموحدة للمدئيين»، أن يغطّي على شعبيته المتراجعة خلال الانتخابات المحليّة وتلك المُتعلّقة بمجلس الخبراء في عام 2006. هذا الواقع دفع نجاد، في الانتخابات الأخيرة، إلى اتخّاذ قرار بإجراء تسوية مع المجموعات الأخرى من المحافظين من أجل الترشّح ضمن لائحة واحدة. لكن لاريجاني وأصدقاءه في لائحة «الائتلاف الموسّع للمبدئيين» فضّل الانفراد في بعض الدوائر عن اللائحة المحافظة الأم. انفراد تبيّن أنه متعلق بأجواء التحضير لخوضه معركة الرئاسة.
لهذا، باتت لائحة المبدئيين تضم ثلاثة توجهّات فاعلة، وهي «رائحة الخدمة الزكية» الداعمة لنجاد، و«جبهة السائرين على نهج الإمام والقيادة»، و «المبدئيون الداعمون للتطور والفدائيون». أما الروافد لهذه التوجهات فضمّت مروحة من الأحزاب والجمعيات أبرزها: «الجبهة الشعبية للمبدئيين المستقلّين» و «حزب العدالة والتنمية» القريب من المعارضين للحكومة، و «حزب الله» و «الجبهة الموحدّة للنساء الأصوليات» و«حزب إيران الشامخة» و«مُجمّع الوحدة الإسلامية الإيرانية» و«ائتلاف المفكرين الأحرار».
بأي حال، كانت نتائج الدورة الأولى غير واضحة لجهة فرز الخيارات السياسية، إذ ظهر التداخل بين تياري المبدئيين لجهة صعوبة تحديد انتماء أعضاء إلى هذه اللائحة أو تلك، ما جعل تحديد الفرق بين تيار نجاد وتيار لاريجاني أمراً شائكاً.
وأصبح واضحاً أن معركة الرئاسة تتحكّم رسم صورة المشهد السياسي في طهران اليوم، ليصبح البرلمان المقبل أسير هذه المعركة، وخصوصاً بعد الجدل الحاد الذي دار أخيراً بين نجاد ورئيس مجلس الشورى غلام علي حداد عادل، الذي يسود الحديث عن رغبته بخوض معركة الرئاسة أيضاً.
وبدا أن معظم من هم في صف المعارضة للرئيس اليوم، على خلفية سياسته الاقتصادية، التي تسببت بزيادة حجم التضخّم وارتفاع حاد في الأسعار، هم «مرشحون» لكرسي الرئاسة في الانتخابات المقبلة.
لعلّ بعض فصول هذه المواجهة الشخصية بين الرئيس ومنتقديه قد تبلورت أكثر في مدينة قم الدينية في السادس عشر من نيسان الجاري، حين اتّهم نجاد بعض أركان إدارته بتجاهل سياسته في محاربة الفساد والاحتكار، وتوسّعت مروحة اتهاماته لتشمل معاونيه المقربيّن، من بينهم وزير المالية داود دانش جعفري الذي أقاله مع وزير الداخلية بور محمدي من منصبيهما الأسبوع الماضي.
وحسب رؤية الباحث الإيراني في معهد واشنطن، فإن مجلس الشورى المقبل، لن يكون مختلفاً كثيراً عن صورته بحسب نتائج الدورة الأولى، لا سيما أن الإصلاحيين الذين حصلوا على أقليّة المقاعد، غير مؤهليّن في الدورة التي تجرى اليوم للحصول على ما قد يغيّر قواعد اللعبة.
لكن نجاد بدوره، يواجه وضعاً صعباً، من خلال سياسة الإقالات التي اعتمدها منذ تسلّمه الرئاسة في عام 2005، لا سيما أن من بين المقالين شخصيات فاعلة على المسرح السياسي ومقرّبة جداً من المرشد علي خامنئي، مثل بور محمدي، والمفاوض النووي السابق الذي يمتلك الحظوظ الأكبر ليكون رئيس البلاد المقبل.