أرنست خوريفي ساحات الحروب، تتأثّر المعارك ومصيرها، إلى حدّ كبير، بطبيعة الأشخاص الذين يديرونها، وخصوصاً إذا كانوا يكرهون الجلوس في المكاتب، ويفضّلون متابعة «العمل» على الأرض. وإذا سار المراقب بهذه النظريّة، سيجد في شخص القائد الجديد لقوات الاحتلال في بلاد الرافدين، الجنرال ريموند أوديرنو، الرجل النموذجي الذي يمكن من خلال دراسة سلوكه وشخصيّته، تكوين صورة افتراضيّة عمّا ينتظر العراق وإيران والمنطقة بأسرها في عهده، الذي سيبدأ فور تسلّم الجنرال ديفيد بيترايوس منصبه الجديد في قيادة المنطقة الوسطى، المرتقب في غضون أسابيع.
أوديرنو، أو «المحارب الحقيقي» كما يحلو لرفاقه في السلاح أن يسمّوه، «وحش» يذكّر بالصورة النمطيّة لجنرالات الحروب: يبلغ من العمر 54 عاماً، صاحب قامة مهيبة تبلغ 193 سنتمتراً، رأسه حليق دائماً، لا يتأخّر عن ترك مكتبه ليشارك جنوده أشرس المعارك. وهو قبل كلّ شيء، درّب الفرق التي تولّى قيادتها، وخصوصاً فرقة المشاة الرابعة، على التصرّف بعدوانيّة كبيرة مع أهدافها، على اعتبار أنّ جميع السكّان الأصليّين في ساحات الحرب، هم أعداء محتملين. عدوانية تجلّت بأكثر حللها دموية ضدّ العراقيّين في عام 2003، ما دفع عدداً من ضبّاط الجيش من فرقة المشاة الأولى إلى تقديم شكاوى ضده. بل ذهب البعض حدّ تحميله جزءاً كبيراً من مسؤوليّة إشعال المقاومة ضدّ الاحتلال.
ولأنه يجب على كلّ جنرال بمرتبته أن يكون له «ظهر» سياسي، فهذا الظهر وفّرته له وزيرة الخارجيّة كوندوليزا رايس التي اعتمدته لفترة طويلة مستشاراً عسكرياً أوّل لها، حيث تسلّم لفترة إدارة مكتبها، وكانت تصرّ عليه لمرافقتها في سفراتها. منذ اليوم الأوّل لغزو العراق، ارتبط اسمه بهذا البلد. فلحظة أعلن جورج بوش قراره ليل 19 آذار 2003، سجّل الجنرال، حامل شهادة الماجيستير في الهندسة النوويّة، أسرع انتشار عسكري في تاريخ الحروب الحديثة عبر الحدود الكويتيّة.
صحيفة «نيويورك بوست» الأميركيّة رأت في تحقيق عنه في آب من عام 2007، أنّ «تاريخه في المصارعة الحرّة قد يوازي أمجاده في الجيش».
بعض «أمجاده» يعرفها العامّة من الناس، ويبقى العديد من «المآثر» مغموراً أو يسَجّل في رصيد بيترايوس. إلقاء رجاله القبض على صدّام حسين في مخبئه قد يكون أشهر ما يُسَجَّل له، إلى جانب «فضله» في إنجاح خطّة «إغراق العراق» بـ30 ألف جندي أميركي إضافي في حزيران من عام 2006، حين كان قائداً للقوات الأميركيّة في بلاد الرافدين، خاضعاً لإمرة بيترايوس. غير أنّ الكثير من المراقبين يسجّلون له الفضل الأكبر في ولادة «مجالس الصحوات» في الوسط العربي السنّي، الذي احتكّ به طويلاً في بعقوبة وديالى والموصل. معروف بانتقاداته الحادّة تجاه الحكومة العراقيّة والساسة العراقيين عموماً، وهمّه الأكبر يبقى «الخطر الإيراني على المدى البعيد».
مواقفه من العمليّة السياسيّة والمكوّنات الطائفيّة العراقيّة فريدة من نوعها. يرى أنه «يجب أن يتصرّف الشيعة في العراق من منطلق أنهم انتصروا، إذاً يجب أن ينطلقوا بعد سنوات تفرّدهم في الحكم، إلى منطق المصالحة مع بقيّة الطوائف». تنقل عنه «نيويورك بوست» أنّه يرى أنّ العرب السنّة، قبل أن ينتظروا أن يستتبّ سلام دائم في العراق، يجب أن يفهموا أنهم هُزموا وأنهم كانوا في موقع القوّة في النظام السابق.
يصف مقتدى الصدر بأنه «رمز، عصبي في تصرّفاته، لا تتوقّع ردود فعله، ولكنه ذلك الرجل الذي يملك نفوذاً على الشيعة بشكل لا ينافسه أحد في ذلك». يشير إلى أنّ مشكلة زعيم التيار الصدري «أنه فقد السيطرة على فرق من تنظيمه مثل المجموعات الخاصة التي استمالتها إيران إلى صفها». يقول: «علينا التخلّص من هذه الفرق مع العمل عن قرب مع المقرّبين من الصدر».