يؤلِّف المسلمون الأميركيون كتلة ناخبة لا يستهان فيها في السباق للترشّح الديموقراطي والجمهوري إلى الرئاسة الأميركية، إلا أن أياً من مرشحي الحزبين لا يضع هذه الكتلة في حسابه، لغياب الإطار التنظيمي الموحّد لأصوات هؤلاء الناخبين وتفرّقها بين الحزبين
واشنطن ــ محمد سعيد

طفت قضية الاهتمام بموقف العرب والمسلمين الأميركيين من الانتخابات الرئاسية إلى السطح مجدداً، في وقت دخلت فيه المنافسة على ترشيح الحزب الديموقراطي بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون مرحلة تتسم بالحدة. فقد أعاد منافسو أوباما من الحزبين الديموقراطي والجمهوري استخدام ورقة «الإسلام» للضغط عليه من خلال الزج باسم النبي محمّد في اسم عائلته، الأمر الذي يؤثّر سلباً على موقف الجاليات العربية والإسلامية من تلك الانتخابات. وبلغت الضغوط مداها، إلى درجة أن أوباما وجد نفسه مضطرّاً إلى تكرار نفي أنه «كان في يوم من الأيام مسلماً» ثم تأكيده أن «أمن إسرائيل مقدس».
وكان مقدّم البرامج في شبكة التلفزيون الأميركية «فوكس نيوز»، بيل كينغهام، قد كرر في حديثه عن الانتخابات أن اسم والد المرشح أوباما هو «حسين محمد» ثم اعترف بأنه أخطأ باسم محمد ثم غير تصريحه مكتفياً بذكر حسين. وقال: «لقد عرفت أنني أخطأت في إقحام اسم محمد، وهو غير موجود أصلاًَ»، لكنه رأى أن «وصول أوباما إلى البيت الأبيض سيكون عاملاً مساعداً في انتشار الإرهاب».
ومع قيام مدونات الأميركيين على شبكة الإنترنت بملاحقة أوباما على هذه الخلفية، يقف العرب والمسلمون في الولايات المتحدة موقف المتفرج على هذا المشهد، إما عجزاً أو رغبة في عدم «توريط» أوباما أكثر مما هو فيه.
ورغم أن المسلمين الأميركيين يؤلفون قوة انتخابية لا يستهان بها من حيث العدد والنوعية، فإن تاريخ الانتخابات الأميركية لم يسجل، حتى الآن، حضوراً مؤثراً لتلك القوة الانتخابية المهملة نسبياً والمسقطة عملياً من حسابات المرشحين الأميركيين.
ويزداد وضع المسلمين في الانتخابات الأميركية الراهنة سوءاً مع استمرار حملات العداء لما سمّاها الرئيس جور ج بوش «الفاشية الإسلامية»، فيما أصبح الهجوم على الإسلام والجالية المسلمة مادة دسمة لوسائل الإعلام الأميركيّة.
وكثفت منظمة «مجتمع الحريّة الإسلامي» (ماس) في ولايتي تكساس وأوهايو الأميركيتين جهودها لتنظيم دور أفراد الجالية في واحد من أهم الأحداث السياسية الرئيسية للجالية في هاتين الولايتين، وهو الإدلاء بالأصوات في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين لسباق الرئاسة الأميركية.
وعملت المنظمة على إعداد الناخبين المسلمين في الولايتين للإدلاء بأصواتهم وحسم الصراع بين أوباما ومنافسته هيلاري كلينتون، من خلال تسجيل أسماء كشوف الناخبين ومستوى التعليم وبقية البيانات الأخرى التي تسهل عملية التصويت. ولم تقف جهود المنظمة عند حد تنظيم العملية الانتخابية لأفراد الجالية، بل امتدت كذلك إلى إعطاء معلومات تفصيلية عن المرشحين وبرامجهم السياسية ومواقفهم تجاه أهم القضايا البارزة.
وأظهرت الاستطلاعات، التي أجريت أخيراً، أن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة لا يعطون أولوية لقضايا أوطانهم الأم، إذ أكدوا حاجتهم إلى تحسين التعليم والحقوق المدنية والرعاية الصحية والوظائف في ضوء معاناتهم من نقصها في ظل إدارة بوش.
وجاءت المطالبة بتحسين علاقة الولايات المتحدة مع الدول الإسلامية في مرتبة لاحقة، ما يمثل اختلافاً مع توجهات الناخب الأميركي العادي الذي يعد الاقتصاد وحرب العراق القضايا الأهم بالنسبة إليه.
ومما يقلل من حجم تأثير العرب والمسلمين في الانتخابات الأميركية عموماً، انقسامهم على أنفسهم، حيث تتوزّع انتماءاتهم، ويخوضون درجات من الصراعات المذهبية والعرقية التي حملوها معهم إلى الولايات المتحدة، علاوة على تدني مستوى نشاطهم السياسي.
وتتباين وجهات نظر أفراد الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة حيال برامج الحزبين الجمهوري والديموقراطي رغم إقبالهم الملحوظ على الانتخابات. فقد أظهر الاستطلاع أن 80 في المئة من الناخبين المسلمين يشاركون بانتظام في الانتخابات الرئاسية، لكن غالبيتهم لا تنتمي إلى أي حزب.
وفي هذا الاستطلاع، قال 42 في المئة من المسلمين إنهم يجدون أنفسهم ديموقراطيين، فيما رأى 17 في المئة أنفسهم جمهوريين، و28 في المئة أنهم لا ينتمون لأي حزب. لكن تبقى هذه الانتماءات ضعيفة وهشة مقارنة بما هي عليه حال الجاليات الأخرى في الولايات المتحدة.
وتشير المواقف السابقة إلى ميل العرب والمسلمين الأميركيين إلى مرشحي الحزب الديموقراطي الأكثر انفتاحاً على الأقليّات الدينية والعرقية في المجتمع الأميركي. وهذا الأمر يجعل من المتوقع أن تؤيّد الكتلة الانتخابية المسلمة أوباما، وخصوصاً المسلمين من أصل أفريقي. وفي انتخابات عام 2004، صوت 63 في المئة من الناخبين من العرب للمرشّـح الديموقراطي السيناتور جون كيري.
وفي ما يتعلق بالوضع الديموغرافي لمسلمي أميركا، كشف الاستطلاع أن 78 في المئة منهم من الفئة العمرية الشابة نسبياً، أي بين 30ــ54 عاماً، وأنهم أكثر «تأمركاً» مما يشاع عنهم عادة، إذ إن 75 في المئة منهم إما ولدوا في الولايات المتحدة أو أنهم عاشوا فيها أكثر من 20 سنة.
وأظهر الاستطلاع أن هناك نسبة تعليم عالية جداً بين المسلمين الأميركيين تزيد على المعدل التعليمي لعموم باقي سكان الولايات المتحدة أو أي مجموعة عرقية فيها من المهاجرين، وهو ما أشارت إليه دراسات مماثلة سابقة. وبيّن الاستطلاع أن 65 في المئة منهم حاصلون على درجة الدراسة الجامعية الأولى (البكالوريوس) وأن نصفهم من المهنيين؛ أي أصحاب الوظائف.
ويرى رئيس المعهد العربي الأميركي، جيمس زغبي، أن ثلاثة أرباع العرب الأميركيين ولدوا في أميركا، ونحو 70 في المئة منهم مسيحيون. أما في ما يتعلـق بتشكيلتهم، فنحو 60 في المئة منهم لـبنانيون وسـوريون وهـم يصوِّتون بشكل عام كما تـصوت الأقليات العِـرقية الأخرى مع اختلافات بسيطة تتعلّـق بقضايا السياسة الأميركية في المنطقة.
ويقول زغبي إن «الجيل الثالث من العرب الأميركيين يرى إقامة الدولة الفلسطينية شيئاً بالِـغ الأهمية، بينما قد يرى نحو 40 في المئة من الأميركيين أنه يجب احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ستجد أن النسبة بين العرب الأميركيين تتخطى 95 في المئة».
غير أن رئيس مجلس العلاقات الأميركية ــ العربية، جون ديوك أنتوني، الذي يؤكد أن الإسلام ثاني أسرع الديانات انتشاراً في أميركا حتى بعد هجمات 11 أيلول، قال إن عدد المسلمين في بعض المقاطعات الأميركية يفوق عدد المسيحيين.