strong>ربى أبو عمّوأيام قليلة تفصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مغادرة الكرملين. فراقٌ لن يكون بالسهل بعدما ألف هذا القصر. يبدو كثير الانهماك هذه الأيام، ربما يعاني الفوضى النفسية، وخصوصاً أنه لم يكن ينتظر أن تثار حبكة إعلامية تطال حياته العاطفية في أيامه الرئاسية الأخيرة. فقيصر روسيا لا يريد أن يصبح يوماً ما على صورة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي ارتبط اسمه بفضيحة مونيكا لوينسكي، أو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقصة طلاقه وزواجه بعارضة الأزياء كارلا بروني، وخصوصاً أنه أبدى حزماً في التعاطي مع الشائعات منذ اللحظة الأولى.
البطلة هذه المرة روسية، هي ألينا كاباييفا (24 عاماً)، لاعبة الجمباز السابقة والنائبة عن حزب «روسيا الموحدة» القريب من الكرملين. سمراء البشرة، حتى إنها لقبت بـ«كليوبترا» روسيا الجديدة. ارتبط اسمها بالرئيس الروسي بعدما ذكرت وسائل إعلامية أن بوتين طلّق زوجته لودميلا، ويعتزم الزواج من اللاعبة الأولمبية، وخصوصاً أنها واحدة من بين العديد من الراقصات والرياضيات الروسيات الجميلات اللواتي أصبحن أخيراً عضوات في مجلس النواب الروسي، برعاية بوتين شخصياً. فـ«جميلات بوتين»، وصلن إلى السلطة التشريعية في إطار خطة وضعها سيّد الكرملين لتعزيز جاذبية حزب «روسيا الموحدة».
واستطراداً، عُرِف عن «كليوباترا» مصر، أنه كان لها أثر كبير على السياسة الرومانية في فترة حرجة، وقيل إنها جاءت لتمثّل، كما لم تفعل أي امرأة أخرى في العصور القديمة، النموذج الأول لرومانسية المرأة الفاتنة. أحبت مارك أنطونيو، أحد أعضاء الحكومة الثلاثية في روما، الذي بادرها المشاعر نفسها وترك بلاده للالتحاق بها وأهمل واجباته العسكرية وزوجته فلوفيا. هذه الأمور ساهمت في خسارته معركة «أكتيوم» ضد أوكتافيوس، الملك الروماني في ذلك الوقت، فلم يكن أمامه من خيار سوى الانتحار.
وبالعودة إلى قصة علاقة بوتين ولاعبة الجمباز، فقد سارع الرئيس الروسي إلى نفيها، قائلاً ببساطة «لا توجد حقيقة في كلمة واحدة مما تقولون». فهذا الرجل، الذي استطاع النهوض بروسيا مجدداً إلى الساحة العالمية، راسماً لنفسه صورة الرجل القوي، العنيد، الذي يشرف بنفسه على الطائرات الحربية الروسية، ويخوض مباريات الحزام الأسود في الجودو، لن يقبل بأن يتحوّل إلى ساركوزي آخر، ويفقد شعبيته، وخصوصاً أن هذا الوقت يمثّل لبوتين بداية تطبيق خطته للانتقام من الغرب، الذي أصرّ على إعلان استقلال إقليم كوسوفو رغماً عن أنف روسيا. يسعى بوتين إلى اعتماد الأسلوب الغربي عينه، من خلال تشجيع الأقاليم الانفصالية وخصوصاً إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية على الاستقلال عن جورجيا، وحثّ الدول الغربية على الاعتراف باستقلالهما الذي أعلناه في بداية التسعينيات. وجاء قراره بزيادة التعاون الاقتصادي مع الإقليمين، في إطار تقوية الأمن والاستقرار في منطقة القوقاز، مفاجئاً للغرب، واستفزازياً لجورجيا، وخصوصاً بعدما أعلن السلاح الجوي الجورجي أن طائرة روسية أسقطت طائرة بلا طيار تابعة له مطلع الأسبوع، الأمر الذي نفته روسيا، واعتبرته انتهاكاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة. فيما قالت القوات المسلحة في منطقة أبخازيا الانفصالية أنها أسقطت طائرة تجسس جورجية.
هذه المشادة الكلامية بين جورجيا وروسيا لم تنته حتى اليوم، بل إن تبليسي هدّدت باستخدام كل الأساليب لاسترجاع الإقليمين، ولا سيما أنها لا تزال تشعر بالحنق لتأجيل قبول عضويتها في حلف شمالي الأطلسي.
يدرك بوتين أن أعداءه كثر وأصدقاؤه أقل. يعرف أن الملفات التي تعدّ روسيا طرفاً فيها أعقد مما يتمنى. إلا أنه متأكد، أن مصيره لن يكون تقمّصاً لمارك أنطونيو، فيُهزم أمام الغرب ولا يبقى له إلا الانتحار لانشغاله بكليوبترا الروسية.