رأى مسؤولون أمنيون إسرائيليون، أمس، أن احتمال قيام سوريا برد عسكري على قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية للمنشأة السورية في منطقة دير الزور ما زال قائماً بعد الكشف عن تفاصيل الهجوم أمام لجان تابعة للكونغرس، أول من أمس.ونقلت صحيفة «هآرتس» عن هؤلاء المسؤولين قولهم إن «من المبكر التقدير كيف سيؤثر الكشف على موقف دمشق، وثمة خطراً، لا يزال قائماً، في أن تدرس سوريا الآن مجدداً تنفيذ رد عسكري ضد إسرائيل».
وأفادت الصحيفة نفسها بأن مسؤولين أمنيين إسرائيليين عبّروا، خلال مداولات أجراها جهاز الأمن الإسرائيلي أخيراً، عن تخوفهم من أن يؤدي الحرج الذي سيسبّبه نشر تفاصيل الهجوم للرئيس السوري بشار الأسد إلى دفعه «لإبداء عدوانية تجاه إسرائيل» وأن هذه التقارير تضع الأسد في ضائقة أمام قيادة نظامه.
وأضافت «هآرتس» أنه على هذه الخلفية قررت القيادة السياسية الإسرائيلية الاستمرار في صمتها والامتناع عن إصدار أي تعقيب على النشر عن تفاصيل الهجوم.
وفي السياق، رأت إسرائيل أن الكشف عن تفاصيل قصف طائراتها الحربية للمنشأة السورية في أيلول الماضي سيزيد قدرة ردعها، كما سيزيد مخاوف دول أخرى في المنطقة من تطوير برامج نووية سرية في المستقبل.
وقالت «هآرتس» إن إسرائيل والولايات المتحدة توصّلتا إلى نتيجة مفادها بأن كشف تفاصيل الهجوم سيؤدي إلى أن «تبدأ دول تتطلع إلى اتجاهات كهذه بالقلق».
وسبق اتخاذ إسرائيل قراراً بالتنسيق مع الولايات المتحدة بشأن كشف تفاصيل الهجوم، مداولات مكثفة في الدولة العبرية ترأسها رئيس طاقم مستشاري رئيس الحكومة الإسرائيلية، يورام طوربوفيتش، وشارك فيها مندوبون عن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية وشعبة العمليات في الجيش ووزارتي الخارجية والدفاع.
وتوصلت هذه المداولات إلى استنتاج بأنه نشأت «نافذة فرص» تسمح بـ«كشف متّزن ومدروس» لقسم من التفاصيل المتعلقة بالعلاقات السورية ـــــ الكورية الشمالية في المجال النووي. وقد استند هذا الاستنتاج، من بين جملة أمور، إلى مسوّغ رأى أنه ما من خيار أمام إسرائيل سوى الموافقة على طلب أميركي بخصوص الكشف عن تفاصيل الهجوم لأن الإدارة الأميركية ملزمة قانوناً بإعطاء تقرير عن الموضوع للكونغرس.
وقالت «هآرتس» إنه «خلال المداولات الإسرائيلية شدد مندوبو شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد على وجود مصلحة لإسرائيل في نشر تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية، وأن كشفاً مدروساً عن هذه التفاصيل سيحسّن قدرة الردع الإسرائيلية، وبناءً على هذه الاعتبارات توجّه طوربوفيتش قبل ثلاثة أسابيع إلى واشنطن لتنسيق المعلومات التي سيتم الكشف عنها أمام الكونغرس».
وسبق سفر طوربوفيتش إلى واشنطن مشاورات بين رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ووزير الدفاع إيهود باراك، أعرب خلالها الأخير عن عدم معارضته لكشف تفاصيل.
لكن بعد أيام معدودة تراجع باراك عن رأيه، غير أن ذلك حدث بعد سفر طوربوفيتش إلى واشنطن وتوصله إلى تفاهمات مع الأميركيين بهذا الشأن، الأمر الذي حال دون إمكان أن تعيد إسرائيل النظر في موقفها خشية وقوعها في الحرج حيال واشنطن.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن باراك عارض بشدة كشف المعلومات الاستخبارية التي تجمعت لدى إسرائيل قبل مهاجمة المنشأة السورية. وأضاف أن جهاز الأمن حذر من أن ضرراً استراتيجياً سيلحق بإسرائيل على المستوى الاستخباري جرّاء نشر المعلومات التي تقع ضمن خانة تصنيف «سرّي للغاية».
وكانت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي قد أشارت إلى أن خلافاً نشب بين باراك وأولمرت في شأن إصدار التوجيهات لتسليم واشنطن «مادة الإدانة» المتعلقة بسوريا، في إشارة إلى الشريط المصور الذي عرض أمام لجان الكونغرس، أول من أمس.
إلى ذلك، نسب الموقع الإلكتروني لصحيفة «هآرتس» إلى خبيرين نوويين أميركيين تأكيدهما أن المنشأة السورية في منطقة دير الزور، والتي قصفتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في أيلول الماضي، كانت بعيدة عن كونها منشأة نووية عسكرية.
ونقل محلل الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية في «هآرتس»، يوسي ميلمان، عن الخبيرين ديفيد أولبرايت وبول بيرنان، من معهد الأمن والدراسات الدولية في واشنطن، تأكيدهما على أنه بعد أن حلّلا المعلومات التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في وسائل الإعلام الأميركية يظهر أنه لا توجد أي تقديرات لدى الولايات المتحدة كيف كانت سوريا تعتزم تفعيل برنامج نووي، وليس لدى الولايات المتحدة أيضاً أي معلومات تدل على أنها مررت أو كانت تنوي أن تمرر وقوداً نووياً مطلوباً لتشغيل مفاعل نووي.
وقال الخبيران الأميركيان، في تحليل نشراه أول من أمس، إن نوع المفاعل النووي الذي تم بناؤه، بحسب تقرير الـ«سي آي إيه»، يتطلب كميات كبيرة من اليورانيوم من أجل تفعيله.
وتابع أولبرايت وبيرنان أن «أجهزة الاستخبارات لم تنجح في التعرف على وجود معمل لفصل البلوتونيوم أو معمل لتركيب أسلحة، وغياب هذين الموقعين يُضعف الادعاء بأن المفاعل الجارية إقامته كان جزءاً من برنامج نووي عسكري فعّال لدى سوريا».
وقال الخبيران أيضاً إن «غياب أدلة في ما يتعلق بالوقود المخصص للمفاعل يقلل التقديرات بأن لدى سوريا برنامجاً نووياً فعالاً وذلك إضافة إلى حقيقة أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وصلت إلى مراحل حاسمة بعدما أوقفت وشلّت كوريا الشمالية منشآت أهمّ في بيونغ يانغ».
(الأخبار، يو بي آي)