معمر عطويرغم ما تتعرّض له من ضغوط وعقوبات دولية، بسبب برنامجها النووي، لا تزال طهران تلعب ورقة التكتلات الاقتصادية، كبديل عملي لسياسة الأحلاف العسكرية والسياسية التي سادت خلال الحرب الباردة. لعلّ غناها بمصادر الطاقة يؤسس لظهور تكتل اقتصادي عالمثالثي، رغم امتعاض واشنطن. تدعم هذه الفرضية زيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، إلى باكستان والهند، التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تذليل العقبات من أمام مشروع بدأ الحديث عنه في عام 1993، يقضي بتزويد إسلام آباد ونيودلهي بالغاز الإيراني عبر أنبوب بطول 2600 كيلومتر، يدعى «أنبوب السلام»، بتكلفة 7.5 مليارات دولار، على أن يبدأ نقل الغاز من حقل «غاز فارس» الجنوبي في سنة 2011.
مشروع لم يُبصر النور حتى اللحظة، بسبب الخلافات بين باكستان والهند على رسوم الترانزيت والمسائل الأمنية، فيما يثير هذا التقارب بين نيودلهي وطهران امتعاض واشنطن.
بيد أن الهند المُتعطّشة إلى مصادر جديدة للطاقة لتغذية اقتصادها المزدهر، تتطلّع إلى إيران كمورد للطاقة في الأجل الطويل، غير آبهة لامتعاض صديقتها الأميركية.
لذلك كان الردّ الهندي شديداً حين طالبتها واشنطن بإقناع طهران بوقف برنامجها النووي، مشيرةً إلى أنها لا تحتاج إلى أي «خطوط إرشادية» في إدارة العلاقات الثنائية.
على الخط الإيراني ــــ الباكستاني، لا يبدو أن ثمة مشكلات كبيرة في هذه القضية، وخصوصاً أن البلدين اتفقا في مطلع تشرين الأول الماضي، على مراجعة دوريّة لأسعار الغاز كل ثلاث سنوات عوضاً عن سعر مُثبّت على المدى الطويل. وجاءت محادثات مشرف مع نجاد في إسلام آباد لتؤكد ذلك، حيث اتفق الجانبان على حل جميع المسائل المتعقلة بالمشروع. كما اتفقا على أن تقوم إيران بتزويد باكستان بـ1100 ميغاوط من الكهرباء.
لكن على الخط الهندي ــــ الباكستاني، كانت القضية شائكة بسبب مشكلات أمنية إلى جانب السعر الذي ينبغي أن تدفعه نيودلهي إلى إسلام آباد لنقل الغاز «الترانزيت».
لذلك، تبدو زيارة نجاد إلى الهند اليوم، وكأنها تُكلِّل جهود العواصم الثلاث من أجل إنجاح هذا المشروع، ولا سيما أن طهران كانت قد أعطت في تشرين الثاني نيود لهي مهلة أربعة أشهر للانضمام إلى «مشروع السلام». وللعلم، فإن ثمة مشاريع أخرى بين إيران والهند، تصبُّ في إطار تعزيز التعاون بين البلدان الآسيوية، منها خطط تقوم بها مؤسسة النفط والغاز الطبيعي الهندية لتطوير حقول نفط وغاز إيرانية بالتعاون مع مجموعة «هندوجا».
في المحصّلة، يمكن تصوير خط «مشروع السلام» المُرتقب بأنه يؤدي دوراً كبيراً في لعبة التجاذبات بين الولايات المتحدة وخصومها في المنطقة، ولا سيما أن الهند تشارك في خط مماثل للغاز، مع تركمانستان وأفغانستان وباكستان أو ما يُعرف بخط «تاب ـــ 1»، والذي يتلقى دعماً أميركياً لأنه يمثل مشروعاً منافساً لمشروع إيران لتصدير الغاز.
لكن تكلفة مشروع السلام تبلغ أقل من مشروع «تاب ـــ 1»، كما إنه يمر عبر أراضٍ تعدّ أكثر أماناً، إضافة إلى أن أسعار الغاز الإيراني أقل من منافسها، ما يشير بوضوح إلى سياسة طهران «التجارية» التي قد تُحقِّق أهدافها السياسية من خلال تكتّلات ذات طابع اقتصادي بحت.