strong>طالب بفكّ غموض اختفاء الصدّيق... وأعلن رغبته بزيارة الرياض والقاهرةرفض الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع صحيفة «الوطن» القطرية، الحديث عن صفقات في ما يتعلق بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مؤكّداً أن الأزمة مع لبنان «مؤقتة»، وأن أطرافاً لبنانية بدأت تتحول من الهجوم على سوريا إلى ما يشبه الاعتذار. وأعلن استعداده لاستقبال العماد ميشال عون، مشيراً إلى نيته زيارة السعودية ومصر شدد الرئيس السوري بشار الأسد على رفض بلاده أن تكون هناك صفقة في قضية التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقال: «ليس من عاداتنا أن نقيم صفقات في السياسة، فالقضية ليست عملية بيع وشراء لبضائع، القضية قضية حقوق ومبادئ ومصالح دول». وأضاف: «عُرضَ علينا الكثير من الأميركيين أو مَن له علاقة بهم، وكنا دائماً نقول لهم نحن لا نقيم صفقات، وموضوع المحكمة لا يعني سوريا، ونحن بالأساس دعمنا منذ البداية التحقيقات الدولية».
ونفى الأسد ما قاله السيناتور الأميركي آرلين سبكتر عن أن المحاكمة تمثّل نوعاً من القلق لسوريا. وقال: «العرب والأجانب طرحوا معنا موضوع المحكمة على أساس أنه موضوع مقلق لنا، وهناك إصرار على ربط القضايا التي تحصل في منطقتنا، وخاصة في لبنان، بقلق سوري أو لبعض اللبنانيين من موضوع المحكمة». وتابع: «مشكلة المحكمة الوحيدة هي أن لا يكون هدفها البحث عن الحقيقة. إذا كان هناك تسييس للمحكمة، فهذا سيضر بلبنان قبل أن يضر سوريا، ونحن يأتي قلقنا في سوريا من أي خلل في لبنان وليس من المحكمة».
وأشار الأسد إلى أن التصريحات الأميركية تشير إلى تسييس المحكمة. وقال: «عندما تتحدث إدارة سياسية نيابة عن القضاة، يعني أن الموضوع مسيس». وعن اختفاء الشاهد زهير الصدّيق، قال: «كان موجوداً في السجون الفرنسية، فكيف يختفي في ظروف غامضة بالنسبة إلينا»، واستدرك أنه لا معلومات لديه عما إذا كان الصدّيق في السجن أو لا، مضيفاً: «على كل الأحوال، كان موجوداً في دولة لها سلطة هي فرنسا». وطالب بفك غموض اختفاء الصديق «لمصلحة التحقيق، لأن هذا الشاهد افترى على سوريا بكلام غير صحيح، وثبت لاحقاً أنه كان يكذب، وهناك اقتناع لدى جهات لها علاقة بالتحقيق أو بالمحققين ربما، بأن كلامه غير صحيح».
وردّاً على سؤال عن أسباب توجيه الاتهام إلى سوريا في قضية اغتيال الحريري وغيرها من جرائم الاغتيالات في لبنان، قال الأسد: «سوريا مستهدفة منذ سنوات لمواقفها، ولا نعرف إذا كان هناك أهداف أخرى». وشدّد على أن «استقرار لبنان ينعكس مباشرة على استقرار سوريا»، مشيراً إلى أن «كل الأعمال التي تمت في السنوات الماضية تؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي خلق عدم الاستقرار في لبنان». وتساءل: «أين هي مصلحة سوريا لكي تقوم بهذا العمل؟». وأضاف: «في السياسة لا يوجد انتقام، السياسي الأحمق هو الذي ينتقم، في السياسة هناك مصالح، وهذه الأعمال ضد مصلحة سوريا، أولاً لأن سوريا تتهم بها، ثانياً لأن خلخلة الاستقرار سينعكس علينا، ونحن سوف ندفع ثمنه، فهل من المعقول أن تطلق النار على قدمك».
ورأى الأسد أن عدم انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً في لبنان مرتبط «بانعدام الثقة بين الأطراف اللبنانية، والثقة إنما تضمنها المؤسسات والالتزامات المختلفة، منها رئاسة الجمهورية، ومنها الحكومة، ومجلس النواب، وقوانين الانتخاب، وأشياء مشابهة». وعن طلبات الضغط على المعارضة، قال: «نحن لا نقبل بمبدأ الضغط في تعاملنا مع الأطراف المختلفة، لا في لبنان ولا في غيره، وهذا الموضوع نشرحه لكل من يأتي إلينا ويقول لنا يجب أن تضغطوا». وتابع: «نحن نمارس نفوذاً من خلال العلاقة الطبيعية بين أي طرفين فيها نوع من الحوار، وفيها نوع من الاقتناع وفيها نوع من الصدقية، أي هو يقبل بما أقوله إذا كان مقنعاً ويحقق مصلحته، أما عدا ذلك فهو ليس مضطراً ليقبل برأيي». وعن «الضغط» للتمديد للرئيس السابق إميل لحود، قال الأسد: «كانت هناك أطراف ضد التمديد، وقلنا لهم نترك الموضوع لكم، نحن لم نضغط، وكانت هناك أطراف من حلفائنا لا تريد في ذلك الوقت، وقلنا لهم هذا الموضوع يعود لكم، وهم غيروا آراءهم وساروا في الموضوع، لم نمارس عملية الضغط في هذا الموضوع على الإطلاق، لكن أريد أن أفرق بين ما نتبناه مبدأً وسياسة والممارسة، أي ممارسة الشخص تختلف عن سياسة الدولة أحياناً، هو لا يفرق بين مبدأ الحوار والضغط، وربما الشخص الآخر لا يفرق بين أنه يحاوره أو يطلب منه أو يضغط عليه. أما نحن كسياسة سورية فلم نتبنّ الضغط على الإطلاق، حتى في موضوع الرئيس لحود».
ورفض الأسد تسمية العماد ميشال عون بـ«العدو السابق». وقال: «كان هناك خلاف، الخلاف قد يتحول إلى خصومة، ولكن الخصومة تختلف عن العداوة»، مشيراً إلى «وقوع صدامات بين القوات السورية وحزب الله في 1987، لكن هذا لم يعن عداءً». وشدّد على أن «الأبواب مفتوحة» للعماد عون لزيارة سوريا.
وعن استعداد دمشق لإقامة علاقة دبلوماسية مع لبنان، قال الأسد: «أنا من طرح هذا الموضوع في عام 2005 في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى السوري ـــــ اللبناني»، نافياً ما يقال بأن سوريا لا تفتح سفارة لأنها لا تعترف بلبنان. وأضاف: «نحن نعترف بلبنان. لبنان بلد مستقل وعضو في الجامعة العربية، لكن كيف تفتح سفارة والعلاقة غير جيدة».
وعن اتهامات شخصيات لبنانية للنظام السوري بأنه نظام قاتل، قال الأسد: «المشكلة ليست بيننا وبين لبنان ككل، بل بيننا وبين طرف في لبنان، وكل من يقول هذا الكلام يجب أن يمتلك دليلاً». وشدّد على أن سوريا تستوعب الاتهامات «لأن ما يحدث اليوم مؤقت، وإذا قمنا بعملية رد فعل فسيكون من الصعب أن تعاد الأمور إلى طبيعتها بين الشعبين ربما لجيل كامل». وتابع: «أنا متأكد أن الشعب اللبناني خلال فترة قصيرة سيعرف الحقيقة، والبعض منه يأتي إلى سوريا ويقول: لقد ظلمنا سوريا. لم نكن نعرف هذه الحقائق، لقد غُرر بنا، أُخذنا بالعواطف. يأتي لنا هذا الكلام من الجهات التي كانت تهاجم سوريا. الآن بدأوا يتحولون ونحن نقول لهم لا نلومكم، هذا طبيعي، عمليات الاغتيالات والتفجير والانقلاب المفاجئ لم تكن شيئاً سهلاً على أي عقل أن يستوعبه».
وعن الحديث عن أن قمّة دمشق عمّقت الانقسام العربي، قال الرئيس السوري إن القمّة «أظهرت الانقسام ولم تزده». وعن دعوة الملك السعودي إلى القمّة عبر وزير الدولة لشؤون الهلال الأحمر، قال: «عندما طلبت سوريا أن تنقل الرسالة من وزير الخارجية الذي كان يقوم بجولة على الدول العربية لكي تُعطى للملك، هم تأخروا في الجواب، حددوا موعداً لاحقاً، وكان وزير الخارجية مشغولاً، فأُرسل وزير آخر، واستقبله وزير الخارجية السعودي، لا الملك». وشدّد الأسد على أنه سيقوم بجولة عربية قريباً بصفته رئيساً للقمّة، مشيراً إلى أن العمل جارٍ على تحديد مواعيد من كل الدول «من دون استثناء». وأوضح أن الجولة ستشمل القاهرة والرياض «إذا لم يكن لديهما مشكلة». ورأى أنه «لا مشكلة بين سوريا والرياض وبين سوريا والقاهرة، هناك مشكلة من الطرف الآخر، لديهما سوء فهم للموقف السوري، أما سوريا فليست لديها مطالب من هاتين الدولتين». وعن ربط الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي حل الخلافات العربية بلبنان، قال: «ما داما يعتقدان أن جوهر المشكلة العربية هو لبنان، فلنتفضل كعرب ونحل مشكلة لبنان، أما أن يقال إن سوريا هي المسؤولة عن لبنان، فهذا الكلام غير مقبول».
وبعدما جدّد الأسد التأكيد أن الغارة الإسرائيلية في أيلول الماضي في دير الزور استهدفت موقعاً عسكريّاً قيد الإنشاء، شدّد على أن الردّ السوري «لا يعني صاروخاً مقابل صاروخ، ولا قنبلة مقابل قنبلة، ولا رصاصة مقابل رصاصة». وأضاف: «إن لم تكن سوريا تؤلم السياسات الإسرائيلية، فهل كانت إسرائيل قامت بعمل من هذا النوع؟». وتابع: «الحقيقة لدينا وسائل الرد، ولكن وسائلنا بطريقتنا، هم يفهمون ماذا نقصد، نحن لا نقول إننا سنرد، أي سنقصف، نحن نفهم أن إسرائيل تريد أن تستفز سوريا، وربما كانت تريد أن تجر سوريا للحرب، نحن لا نسعى لحرب، كنا واضحين بشأن هذه النقطة، ولكن لدينا طرق أخرى ليس بالضرورة أن نقول ما هي»، نافياً أن يكون الرد عبر حزب الله. ورفض أن يقال إن حزب الله ذراع سوريا.
وتابع الأسد: «ما دمنا نتحدث عن السلام، وما دام لدينا بعض الأمل في السلام، فلا أحد يسعى للحرب، السعي نحو الحرب ليس شيئاً جيداً تحت أي عنوان، الحرب لا تكون إلا حلاً بديلاً عندما يفقد الأمل نهائياً بالسلام، وما نراه الآن نحن في سوريا بغض النظر عن الرياء والنفاق الدولي الموجود ولكن لا شك أن هناك قلقاً من أي تفجير في المنطقة، وهناك مساعٍ للسلام، فإذا كان هناك باب، ولو صغيراً مفتوحاً للسلام ألا يجوز أن تسعى باتجاه الحرب». وردّاً على سؤال عن عدم وجود مقاومة في الجولان المحتل، قال: «المقاومة تنشأ عندما لا يكون هناك جيش قادر على الدفاع».
وعن مؤتمر موسكو المرتقب للسلام في الشرق الأوسط، قال الأسد: «المهم ما هو المضمون. حتى الآن لم يأتنا أي شيء واضح حول هذا المضمون، ولسنا متأكدين من موعد انعقاد المؤتمر، ليست المشكلة في التعنت الإسرائيلي فقط، بل في الإدارة الأميركية، أي إنها مؤثرة في هذا الموضوع. فلذلك نحن حتى الآن لا يوجد أمامنا شيء واضح لكي ندّعي التفاؤل، مع أننا دعمنا أي مؤتمر يُعقد في موسكو».
وعن اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية في سوريا، قال الأسد: «حتى الآن لم تنته التحقيقات، ولا يزال هناك الكثير من المعطيات المطلوبة لكي نحدد الجهة المسؤولة، من البديهي أن تُتهم إسرائيل لأنها المستفيد الأول، ولأن تاريخ إسرائيل مليء بالاغتيالات العلنية، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك ربط بين العملية والدور الإسرائيلي، ولكن لا نستطيع أن نعلن شيئاً واضحاً حتى تنتهي التحقيقات، وهذه التحقيقات لم تصل حتى الآن إلى نتائج نهائية». وعن إمكان أن يتحوّل اغتيال مغنية إلى ملف غامض مثل اغتيال الحريري، قال: «لا نعرف، الآن التحقيقات مستمرة وبحاجة لوقت بكل تأكيد».
وعن احتمال تورط عربي في الاغتيال، قال الأسد: «لنفترض أن شخصاً عربياً قام بعمل ما في دولة عربية، لا يعني أنه قام بذلك بتوجيه من دولته، قد يكون عميلاً لدولة أخرى، هناك فرق بين أن يكون شخصاً عربياً، وأن تكون دولة عربية، ولا توجد لدينا أي معطيات باتجاه أي دولة حتى الآن».
وبالانتقال إلى الشأن الداخلي، نفى الأسد ما يقال عن إقالة رئيس الاستخبارات العامة آصف شوكت ووضعه قيد الإقامة الجبرية. وقال: «هذا نوع من الشائعات التي لا تتوقف بالنسبة إلينا في سوريا، وكل مرة تأخذ شكلاً مختلفاً، ولكن نحن لا نهتم بهذه الشائعات، ولا تعنينا كثيراً».
وفي ما يتعلق بإيران وسعيها إلى امتلاك الطاقة النووية، قال الأسد: «كل دول العالم لها الحق في الطاقة السلمية، نحن ضد أسلحة الدمار الشامل، لا إيران ولا إسرائيل ولا غيرهما». ورأى أن الحرب على إيران «ستؤدي إلى نتائج ندفع ثمنها ربما ليس لعقود، بل ربما لقرن من الزمن، ونتائجها ستمتد من البحر المتوسط إلى الأطلسي، وربما إلى المحيط الهادئ في العالم الإسلامي، وتنعكس على دول أوروبا في المستقبل». وعن الموقف السوري في حال تعرُّض إيران لهجوم، قال: «لا توجد اتفاقية دفاع مشترك بين الدولتين، ولا توجد جبهة مشتركة، وليس المطلوب من سوريا أن ترسل جيشاً إلى إيران. ونأخذ مثالاً الحرب العراقية الإيرانية، نحن دعمنا إيران، ولكن لم نرسل جيشاً، نحن لم نقاتل صدام نيابة عن إيران. الشيء نفسه مع حزب الله».
(الأخبار)