معمر عطويمن المُفارقة أن يُعلن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، «الخليج الفارسي» خليجاً لـ«الصداقة والأخوّة»، في مناسبة «اليوم الوطني للخليج الفارسي» الذي تحتفل به إيران «الإسلامية» في كل عام، رغم الجدل الجغرافي والتاريخي الواسع بين العرب والفرس حول هويّته.
المفارقة تكمن في الهوية الإسلامية التي تماهت معها إيران منذ ثورتها على يد الإمام الخميني في عام 1979، فيما تؤكد هذه الثورة على البُعد الثقافي القومي في كل مناسبة، رغم أن حدود الهوية الإسلامية تتجاوز مسائل الهويات القومية والوطنية والمذهبية.
قد تحمل كلمة نجاد إلى المشاركين في الملتقى «الثقافي ــــ السياحي» لمناسبة «يوم الخليج الفارسي»، أول من أمس، مدلولات إسلامية لجهة دعوته إلى «التعاون الإيجابي» لشعوب المنطقة في هذا الخليج. بيد أن هذا الخطاب المؤكِّد على فارسية الخليج، يقود إلى كلمة تاريخية ذكرها الإمام الخميني في أوائل أعوام الثورة، حين سأله أحد الصحافيين عن إشكالية مُصطلح «الخليج الفارسي» وما يثيره من حساسيات لدى دول المنطقة العربية، فردّ عليه بالقول لنسمِّه «الخليج الإسلامي».
يبدو أن الإيرانيين الغارقين في ولائهم الفارسي على غرار الكثيرين من العرب الغارقين أيضاً في ولائهم العروبي، لم يستلهموا من إمامهم الكثير. فبقي البُعد القومي غالباً على البعد الإسلامي لديهم. لعل أحد تجليات هذا الواقع ما أعلنه وزير العلوم الإيراني، محمد مهدي زاهدي، أمام المؤتمر نفسه، وبشيء من الاستفزازية، أن اسم «الخليج الفارسي سيبقى متلألئاً في جغرافية العالم ما دامت إيران والإيرانيون في العالم».
لا يمكن حسم أصل التسمية لهذا الخليج الذي يقع في حوضه العديد من الدول العربية وإيران على السواء، من خلال محاضرة في مؤتمر أو مقال صحافي. بل من الإجحاف القول إن الخليج «فارسي» أو «عربي» من دون التدقيق في الوثائق التاريخية التي قد تُثبت صحة مقولة هذا الطرف أو ذاك. وقد لا تثبت أيضاً، على غرار أزمة الجزر الثلاث بين إيران والإمارات.
والأجدى في هذا الإطار الخروج من دائرة التنظير ورمي الاتهامات، إلى مفاوضات جديّة وهيئة تحكيم دولية، مُدعَّمة بالوثائق والبيانات التي من شأنها أن تضع حداً لهذا السجال الطويل والجدل الذي لا طائل منه، بعيداً عن مائدة المفاوضات.
وإلا فإن ظروف المنطقة الحسّاسة، في ظل الهيمنة الأميركية ــــ الإسرائيلية وضرورات تعزيز السياسة التي سار بها نجاد تجاه جيرانه الخليجيين، يفرضان نوعاً من التسوية بهدف نزع أي فتائل للتفجير بين الدول الفارسية والدول العربية. تسوية لا بد منها من أجل طمأنة العرب بأن إيران لا تمتلك مشروعاً للهيمنة على المنطقة على غرار المشروع الصهيوني، كما يُثار في الدوائر السياسية والإعلامية العربية هذه الأيام.
وإلا لماذا تشنُّ إيران منذ فترة حملة على موقع «غوغل» الإلكتروني لاستخدامه تعبير «الخليج العربي» بدلاً من «الخليج الفارسي»، في وقت تقوم فيه إسرائيل بمحاولات تهويد كل فلسطين، وفي وقت تذرع فيه البوارج الأميركية هذا الخليج كما يحلو لها.
أمام هذا الواقع يصبح اللجوء إلى اللغويين، الذين يؤكدون أن «لا مشاحة في الاصطلاح». فليكن «الخليج الإسلامي» أو «خليج الوحدة الإسلامية» الا يكون بذلك متوافقاً مع مبادئ الثورة حينها؟