وضعت قوات الاحتلال الإسرائيلي حدّاً مؤقتاً لـ«المحرقة» التي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى في قطاع غزة خلال اليومين الماضيين، مخلّفة 15 شهيداً جديداً، فيما تظاهرت حركة «حماس» في غزة احتفالاً بما وصفته «فوزاً عظيماً للمقاومة في معركة الأيام الخمسة السوداء»
غزة ــ رائد لافي
رام الله ــ أحمد شاكر

انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس، من شرق مخيم جباليا، بعد ثلاثة أيام من عملية التوغل الدموية، وسلسلة الغارات الجوية، التي راح ضحيتها نحو 80 شهيداً، وأكثر من 270 جريحاً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء والمدنيين.
وانشغل الفلسطينيون عقب الانسحاب الإسرائيلي بتفقد منازلهم وممتلكاتهم التي طاولتها آلة التدمير الإسرائيلية. وبدت آثار المحرقة الإسرائيلية واضحة في ملامح سكان مخيم جباليا، كما في منازلهم وممتلكاتهم التي نالت منها آلات التدمير الإسرائيلية، وقذائف المدفعية والعيارات النارية الثقيلة، بينما لحقت أضرار مادية في البنية التحتية لعزبة عبد ربه والمناطق المحيطة بجبل الكاشف.
وتحولت هذه المناطق إلى «قبلة» للفلسطينيين الذين تدفقوا بالمئات من المدن والبلدات المجاورة عقب الانسحاب الإسرائيلي، للاطمئنان على ذويهم، واستطلاع مشاهد الدمار والخراب.
وقالت مصادر محلية وشهود عيان إن الطواقم الطبية عثرت أثناء البحث تحت الأنقاض وفي الأزقة وبين الأشجار، على جثامين ثلاثة شهداء، هم: ثابت كامل جنيد وعبد الله الشنّار، والمسعف محمود زقوت.
وسبق الانسحاب الإسرائيلي من مخيم جباليا، سلسلة من الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في مناطق عديدة من القطاع، استشهد خلالها سبعة من نشطاء المقاومة، جلهم من عناصر «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، بينما طاولت غارات جوية إسرائيلية عدداً من الورش الصناعية والمنشآت المدنية.
واستشهد المقاوم في «كتائب المجاهدين»، رمزي خويطر، في غارة جوية إسرائيلية استهدفت مجموعة من المرابطين ونشطاء في فصائل المقاومة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وفي غارة منفصلة استهدفت مقاومين في «كتائب القسام» في حيّ التفاح شمال شرقي مدينة غزة، استشهد المقاوم إبراهيم المصري، وآخر مجهول الهوية، وأصيب عدد من المقاومين بجروح متفاوتة، بعضهم في حال الخطر.
وشنت طائرة حربية إسرائيلية غارتين جويتين على موقع للشرطة البحرية غرب مخيم النصيرات وسط القطاع، استشهد خلالهما الشرطي درويش مقداد، وأصيب زميله وليد أبو عساف بجروح بالغة الخطورة في الرأس.
وفي وقت سابق، استشهد المقاومان في كتائب القسام رائد جنيد ونعيم أبو الحسنى في قصف جوي إسرائيلي استهدف مجموعة من المقاومين شرق مخيم جباليا.
وأعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد الشاب ثاري أبو سلعة (22 عاماً)، من سكان مخيم جباليا، متأثراً بجروحه التي أصيب بها عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي صاروخ أرض ـــ أرض في محيط مقبرة الشهداء شرق المخيم.
كما أفادت مصادر طبية فلسطينية أن أربعة مقاومين فلسطينيين استشهدوا متأثرين بجروح أصيبوا بها شرق جباليا. وقالت المصادر إن الشهداء هم عارف دغمش ووليد أبو يوسف المقاومان في كتائب عز الدين القسام، وحسن أبو جاسر وغسان عبد ربه المقاومان في «سرايا القدس» التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي».
ولاحقاً، استشهد مقاوم فلسطيني وأصيب إثنان آخران في قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة أمس.
وفي إطار ردود المقاومة، أفادت أجهزة الطوارئ الإسرائيلية أن صاروخين أطلقهما فلسطينيون سقطا أمس في مدينة عسقلان الإسرائيلية. وأصاب أحد الصاروخين، وهو من نوع «غراد» ويبلغ مداه 20 كيلومتراً منزلاً، إصابة مباشرة ما أدى إلى اندلاع حريق. وأصيبت امرأة بجروح طفيفة.
وفور الانسحاب الإسرائيلي من مخيم جباليا، احتشد آلاف الفلسطينيين في مدينة غزة في مسيرة حاشدة تلبية لدعوة من حركة «حماس» ابتهاجاً بـ«اندحار جيش الاحتلال». ووصف القيادي في الحركة، محمود الزهار، الانسحاب الإسرائيلي بأنه «فوز عظيم للمقاومة في معركة الأيام الخمسة السوداء»، في مقارنة ضمنية مع الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة في عام 1967.
وقال الزهار، في أول ظهور علني له منذ بداية التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، إن «المقاومة انتصرت على إيهود أولمرت وإيهود باراك وعملائهما في المنطقة». وحذر دولة الاحتلال من أن «ساحة المواجهة ستستمر بالأضعاف إذا كرروا اجتياحهم لغزة حيث ستكون الهزيمة نصيبهم».
ووجه الزهار حديثه إلى جنود الاحتلال الذين خاضوا «معركة غزة الصعبة»، «قولوا للإعلام وللناس ماذا شاهدتم في غزة، قولوا لهم ما هي نوعية أبناء (كتائب) القسام الذين واجهتموهم»، مؤكداً أن «غزة مستعصية على ما يسمى الاجتياح الكبير، وأن سماء غزة مستعصية على كل الطائرات الأميركية». وشدد على أن «العملية الإسرائيلية انتهت من دون تحقيق أهدافها وفشلت في إيقاف صواريخ المقاومة»، مشيراً إلى أن «حجم المواجهة والمنطقة التي دخلها الاحتلال تعكس قوة حماس وبرنامج المقاومة الفلسطينية».
وفي خصوص التهدئة، قال الزهار إن «التهدئة لا تعطى بلا ثمن، والثمن هو الأرض والحقوق، والإنسان داخل السجون الإسرائيلية وخارجها وفي أراضي عام 48 وفي كل مواقع الشتات الفلسطيني»، مضيفاً «أن هذه اللحظة هي لحظة النصر الفلسطيني والهزيمة لإسرائيل».
ورأى المتحدّث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، أن الانسحاب الإسرائيلي من شمال قطاع غزة هو «إعلان بداية فشل الحرب البرية» الإسرائيلية. وأضاف «إن الاحتلال يحاول تعويض الفشل من خلال ارتكاب غارات جوية ضد المدنيين من النساء والأطفال».
في هذا الوقت، جدد الرئيس الفلسطيني استعداده للعمل مرة أخرى من أجل التوصل إلى تهدئة شاملة ومتبادلة مع الجانب الإسرائيلي «لتجنيب شعبنا المزيد من الضحايا والمعاناة، بما في ذلك العمل على إعادة فتح المعابر لتسهيل حياة المواطنين، وتجنيب الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع مذابح أخرى وللحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وبذل الجهود لفك الحصار عن القطاع المنكوب بما فيها فتح المعابر».
واستمرت الهبّة الشعبية العارمة في الضفة الغربية لليوم الثاني على التوالي تضامناً مع قطاع غزة. واستشهد الشاب محمد صالح شريتح (18 عاماً) من قرية المزرعة الغربية شمال مدينة رام الله، وأصيب العشرات في مناطق متفرقة من الضفة، إثر اندلاع مواجهات عنيفة بين المواطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
وفي مدينة قلقيلية، أفادت مصادر محلية أن ضابطاً إسرائيلياً أصيب بجروح في رأسه بعد تعرضه للرشق بالحجارة أثناء تظاهرات عنيفة على المدخل الجنوبي للمدينة، في حين أصيب عشرات الطلبة بحالات إغماء واختناق بسبب إطلاق جنود الاحتلال الغاز المسيّل للدموع.