باريس ــ بسّام الطيارةبدأ الوضع الدامي في غزة ينعكس ارتباكاً في الموقف الفرنسي، ويفرض على المسؤولين الفرنسيين نوعاً من «تمرين كشف النيات». وبات وزير الخارجية برنار كوشنير أمام «امتحان ضمير» في ظل توالي أخبار وكالات الأنباء التي تُطيل لائحة الشهداء من أطفال ونساء، بشكل لم تعرفه فلسطين منذ نكبة ١٩٦٧.
يعترف مسؤول فرنسي، رفض ذكر هويته، بأن «الإفراط بالقوة» من إسرائيل يحرج حلفاءها. وفرنسا بدأت منذ وصول نيكولا ساركوزي بتغيير منهجي لسياستها، التي اتهمت بقربها للطروحات العربية، «لجعلها أكثر توازناً». كما أن سيد الإليزيه أعلن مرات عديدة أنه «صديق إسرائيل ولن يصافح من يعاديها ولا يعترف بوجودها». إلا أن صور القتلى والجرحى والدمار في أحياء فقيرة، بعد أسابيع من الشحن الإعلامي حول «حصار غزة»، لا يخدم سياسة التقارب مع إسرائيل ويحرج الداعين إليها أمام الرأي العام الفرنسي بشكل عام وأمام «القوى المؤثرة في الإدارة الفرنسية» التي تطالب بالمحافظة على سياسة باريس المستقلة والمتوازنة، التي تدعم أمن إسرائيل وسلامتها من دون التراجع عن البديهيات التي قادت سياسة باريس منذ عام ١٩٦٧، وهي حق الفلسطينيين المشروع بدولة وحقهم بالعيش بكرامة.
والترابط بين ملفات المنطقة لا يغيب عن بال أي دبلوماسي فرنسي، وخصوصاً أن الدبلوماسية الفرنسية رأت في اعتراف أميركا بهذا الترابط «إنجازاً فرنسياً» في العلاقات الدولية، كان له دور كبير في نجاح باريس في الضغط على واشنطن لدعوة سوريا إلى مؤتمر أنابوليس من جهة وحصولها على «حق عقد مؤتمر للدول المانحة» من جهة أخرى.
وسألت «الأخبار» الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية باسكال أندرياني عمّا إذا كانت فرنسا ترى في إرسال البارجة «يو إس إس كول» تأثيراً على استقرار المنطقة، فأجابت بأن باريس «أخذت علماً بتفسير الولايات المتحدة لعملية إرسال الأسطول العسكري في كونه إشارة إلى اهتمامها بالاستقرار في المنطقة». وأضافت أن باريس «لا تأخذ على عاتقها هذا التحليل».
ورغم أن جواب أندرياني يصب في إشارة مباشرة في الملف اللبناني بالدرجة الأولى، إلا أن هذا الترابط لا يغيب عن ذهن الدبلوماسيين الفرنسيين.
وقد صرح كوشنير أمس بأنه «لا يوجد حل عسكري بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وندد بـ«استفراس» غزة، مشيراً إلى أنه «لا يفيد». وذكّر بدور فرنسا في مؤتمر باريس للدول المانحة، مشيراً إلى أن التوصل إلى «إدخال الإسمنت إلى غزة هو انتصار» حيث إنه سوف يساعد في بناء محطة تنقية
المياه.
ويبين هذا «الاستطراد الإعلامي في الأهداف» عند كوشنير مدى الحرج الذي تسببه «ضراوة العنف الإسرائيلي»؛ فالدوائر الفرنسية تسعى جاهدة لاستيعاب «مسألة مقاطعة الدول العربية والإسلامية لمعرض الكتاب الدولي» في باريس بسبب تكريم إسرائيل كضيف شرف بمناسبة احتفال ذكرى الستين لتأسيس الدولة العبرية.
كما لا يغيب عن بال المراقبين أن إطلاق ساركوزي مبادرة جعل تدريس «ذكرى المحرقة» إجبارياً للتلاميذ من الصف الخامس ابتدائي يلاقي معارضة واسعة من كل الأوساط، في طليعتها المؤيدة لإسرائيل، التي تتخوف من أن تؤجج هذه المبادرة «اللاسامية لدى أوساط اليمين المتطرف»، وبالتالي فإن صور أطفال فلسطين على شاشات التلفزيون، على قلتها بعكس ما يفرضه هول المأساة الإنسانية، لا تخدم هذه المبادرة بتاتاً لا بل على العكس.