strong>لم يلتقِ مراجع النجف وكربلاء ولا مقتدى الصدر... ووقّع 7 اتفاقيات ثنائيّة بغداد ـ الأخبار
زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى العراق انتهت كما بدأت، في الشكل والمضمون. كانت ناجحة، بحسب جميع المعايير، ولم يعكّر صفوها، سوى أمرين: أوّلاً، موجة العنف الكبيرة التي ضربت البلاد في ثاني وآخر أيّامها، بعكس اليوم الأوّل (أول من أمس) الذي كان هادئاً نسبيّاً. ثانياً، أنّ نجاد لم يزر المقامات الدينية في النجف وكربلاء، حسبما كان يتضمّن جدول أعمال زيارته «التاريخيّة» في كلّ المقاييس.
التحدّي بقي ملازماً في اليوم الثاني لنجاد في بلاد العراق. تحدٍّ في المواقف وفي شكل الزيارة العلنيّة: حطّ في بغداد في وضح النهار وغادرها بالطريقة نفسها. استفزاز الأميركيّين بقي ملازماً لفعاليات يوم أمس. وعلى طريقته، تهكّم نجاد على الاتهامات الأميركية الدائمة لبلاده بدعم أعمال العنف في العراق. لكنّ الرجل لم يكتفِ بتصريحاته الاستعراضيّة الشعبويّة، فوقّع (شخصياً أو من خلال وزرائه المرافقين له) 7 اتفاقيّات ذات طابع اقتصادي وتجاري وتنموي، إضافة إلى تقديمه قرضاً طويل الأمد بقيمة مليار دولار.
ولأنّ الواقعيّة لا تسمح لرئيس دولة إقليميّة عظمى كنجاد، بالذهاب بعيداً باستعراضه في شوارع العراق المحفوفة بخطر الموت، وخصوصاً أنّ طيفاً واسعاً من العراقيّين ومن المتطوّعين الأجانب يترصّدونه صيداً ثميناً لـ«جهادهم»، فضّل عدم المغامرة، ولم يذهب إلى النجف وكربلاء، «لأسباب فنيّة». كما لم يحضر افتتاح مشروع إنشاء محطّة كهرباء الحيدرية بين هاتين المدينتين.
وأن لا يلتقي مسؤول إيراني المرجعيّات الدينيّة في النجف وكربلاء، ليس أمراً تفصيلياً، نظراً للقيمة الدينية والمعنويّة والسياسية التي تكتسيها. لكنّ الاعتبارات الأمنيّة، لم تحل دون تمكّنه من التوجّه إلى مرقد الإمام موسى الكاظم، أحد أئمّة الشيعة الاثني عشرية، في منطقة الكاظمية شمالي بغداد. زيارة حجّ قام بها منتصف ليل الأحد ـــــ الاثنين، واستمرّت زهاء ساعة.
هكذا، يكون نجاد قد حقّق الإنجاز، وهو ألّا يتنقّل في زيارته إلا في البرّ، ليس كما يفعل الزوّار الأجانب، والأميركيّون خصوصاً، عندما يحتمون بالمروحيّات العسكريّة بمرافقة المقاتلات التي تغزو السماء، وهو ما لم يفت الرئيس الإيراني الإشارة إليه بسخرية أيضاً عندما قال إن «المسؤولين الأجانب يأتون سرّاً، وزيارتهم تستغرق ساعات، ويغادرون بعدها سريعاً. الأساس في تبادل الزيارات أن تكون علنيّة. يجب أن تسألوهم لماذا يأتون سرّاً إلى هنا. لقد أعلنت عن زيارتي قبل شهرين. فنحن لا نخفي شيئاً».
من الإشارات السياسيّة الأبرز التي رافقت الزيارة، أنّ نجاد لم يلتقِ (على الأقل علناً) زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بل اجتمع لساعات مع غريمه الرئيسي على الساحة الشيعيّة، وصاحب الحظوة الإيرانيّة في بلاد الرافدين، زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عبد العزيز الحكيم.
«تحريض» نجاد للشعب العراقي على مقاومة الاحتلال، تخطّى المستوى الذي لمّح إليه أول من أمس. حينها قال: «الشعب العراقي لا يحبّ الأميركيين». أمس، زاد الجرعة درجة: «الشعب العراقي كان ضدّ المحتلّين ونضاله ضدّ الأجانب مبعث افتخار بين شعوب المنطقة. وبمجرد أن تنزلوا إلى الشارع ستشعرون أنهم لا يزالون كذلك». أمّا عن اتهامات جورج بوش له بـ«تصدير الإرهاب» إلى العراق، فلم يجد نجاد وقتاً لسماعها، «لأنّ الأميركيّين يتكلّمون كثيراً وجميع بياناتهم مبنيّة على معلومات مغلوطة، لذلك لا نكترث بما يقولون، ونكتفي بالقول لهم: حلّوا مشاكلكم في مكان آخر. احتلالكم مهانة ومذلّة وتحقير للمنطقة كلّها».
وفي مقابل التحدّي، طمأن نجاد «أصدقاءه العراقيّين» عندما جدّد دعمه «للعملية السياسية وللحكومة المنبثقة من إرادة الشعب». وكشف، في مؤتمر صحافي عقده في مقرّ سفارة بلاده في بغداد، عن أنّ وفده «وقّع 7 مذكّرات تفاهم في مجال توطيد العلاقات وتمتينها بين البلدين وإيجاد المجمعات الصناعية والتعاون في مجالات التأمين والجمارك والاستثمار والصناعة والتعدين والنقل». كما رأى أنّ التقسيم الطائفي «سيصبّ في مصلحة الأجانب، ولكنّنا ننظر إلى الشعب العراقي على أنه شعب واحد عزيز علينا مهما تعدّدت طوائفه».
وبخصوص المشاكل العالقة بين البلدين في ما يتعلّق بالحدود (اتفاقية الجزائر)، قال الرئيس الإيراني: «هناك لجان مشتركة تعمل على ترسيم الحدود وعندنا اتفاقية». ونفى التصريحات التي صدرت عن بعض المسؤولين العراقيّين بأنّ إيران تتصرّف بـ 15 بئراً عراقية نفطيّة، مكتفياً بالقول: «الحكومة والقيادة العراقية نفسها فنّدت هذا الادعاء».
وفي الوقت الذي كان نجاد يغادر فيه، سقط أكثر من 42 قتيلاً عراقيّاً، معظمهم في انفجارين وقعا في العاصمة، وتحديداً في منطقة باب المعظم وحيّ زيونة. وعُثر على مقبرة تضمّ رفات 14 عراقيّ. وفي البصرة، قُتل المفتش العام لوزارة الداخلية في محافظة ذي قار العقيد قاسم عبيد وثلاثة من مرافقيه إثر إطلاق نار استهدف موكبه.