معمر عطويرغم حركات المدّ والجزر التي تمّر فيها العلاقات الروسية ـ الإيرانية بين وقت وآخر، لا تزال طهران تراهن على دعم موسكو في التخفيف من حجم الانعكاسات السلبية للضغوط الدولية عليها، ولا سيما بعد اللكمة العنيفة التي تلقّاها الدب الروسي بعد نجاح الولايات المتحدة في منح إقليم كوسوفو استقلاله.
ربما كانت ضربة كوسوفو هي التي قصمت ظهر العلاقات الروسية ـ الأميركية. لكن هذا لا يمنع من وجود ملفات خلافية شائكة بين موسكو وواشنطن. ملفات تبدأ من تضارب المصالح الجيو ـ استراتيجة، بعد تمدُّد نفوذ الولايات المتحدة إلى شرق آسيا والشرق الآوسط ودول في آسيا الوسطى، وصولاً إلى تصميم الإدارة الأميركية على إنشاء نظام الدرع الصاروخية في أوروبا.
في ظل هذا المناخ، تبدو وريثة الاتحاد السوفياتي، كأنها تبحث عن أمجاد ضائعة، بين ركام التناقضات الإقليمية، لتجد في إيران إحدى الأوراق الرابحة في لعبة شد الحبال بينها وبين الغرب. بيد أن «مصائبها» في كوسوفو تحولت إلى «فوائد» لإيران، التي تسعى لفك عزلتها.
ولطالما أتقنت موسكو المناورة مع جارتها الإسلامية، وخصوصاً على صعيد التعاون النووي الجاري في محطة بوشهر. إذ ماطلت الأولى كثيراً في الإيفاء بالتزامها الموعد المحدد لبناء المحطة. مماطلة بدت بمثابة فواتير على الحساب للجانب الأميركي لتسوية ملفات خلافية.
ثمة قطبة مخفية في العلاقة الإيرانية ـــــ الروسية، تأكد وجودها أكثر حين أعلنت موسكو أخيراً نيتها دعم قرار دولي في مجلس الأمن ينص على فرض عقوبات جديدة على النظام الإسلامي. لكن رغم ذلك، لا يمكن استبعاد دورها عن أي وضع جديد قد يُفرض على إيران، رغم حركة المد والجزر هذه؛ فالمصلحة التي تربط بين الشريكين هي أقوى من المناورات التي قد يلجأ اليها أحد الطرفين من أجل تحسين شروطه عند الآخر، ولا سيما أن التهديد الذي تواجهه طهران بالعزلة، يجعل موسكو في وضع مريح يُمكنّها من فرض شروط أفضل على إيران.
ربما كان ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وتأثيره على الدول الخمس الواقعة على بحر قزوين، أحد أهم الأسباب التي عزّزت وضع إيران في المنطقة. لكن انسحاب العديد من الشركات الغربية التي تستثمر في قطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية، بفعل الضغوط الغربية والحظر الناتج من قراراين دوليين (1737 و1747)، قد فتح شهية الشركات الروسية لالتهام ما بقي من الطريدة الفارسية، فارضاً شروطه التي لا يمكن أن تقبل بها طهران إذا ما كان وضعها الدولي في حال أفضل.
وبات من المؤكد أن إعلان موسكو موافقتها على التصويت إلى جانب قرار العقوبات الجديد، لم يتناقض مع توسيع أنشطتها الاقتصادية وتعاونها العسكري والنووي مع إيران. إذ إن القرار الجديد لن يحمل عقوبات مشددة وفق الطلب الأميركي، بل سيقتصر على توسيع قائمة الحظر على شركات وشخصيات يُقال إنها على علاقة بالبرنامج النووي. هذا في ظل أرجحّية صدور قرار غير مُلزم عن مجلس الأمن.
أما عن توسيع الأنشطة الاقتصادية، فثمة مبادرات إيجابية ظهرت بعد مسألة كوسوفو، من شأنها تعزيز هذا التعاون. مبادرات تتمثل في زيادة انخراط شركة «غازبروم» الروسية العملاقة للطاقة في عمليات التطوير الكبيرة لحقلي الغاز الإيرانيين، فارس الجنوبي وكيش الشمالي. الأول هو أكبر خزان للغاز الطبيعي في العالم، ويضم أكثر من 450 تريليون قدم مكعب من هذه المادة. أماّ الاحتياطي الموجود في حقل جزيرة كيش، فتُقدّر كمية الغاز الطبيعي فيه بحوالى 10 مليارات متر مكعب.
لعل وجه الاستفادة الروسي مهم جداً في هذا الإطار، فما يمكن أن توفّره «غاز بروم» من موارد لمشاريعها في إيران إلى جانب وفرة السيولة النقدية لديها، هو تشغيل ما لا يقل عن نصف مليون عامل. أما إيران فتستفيد بأن تحدّ من آثار العزلة عليها، والبحث عن بدائل أخرى للتعويض عمّا خسرته نتيجة الحصار الدولي، بتطوير وسائل استغلال مصادرها الطبيعية الضخمة.
أماّ الأفق المستقبلي للاستفادة الروسية، فقد يتعزز أكثر في حال قيام طهران كما صرحت، بخصخصة شركاتها النفطية. إذ إن خطة كهذه، وفي ظل استثناء الشركات الأميركية، ستُعزّز الفرص أمام شركات روسية وآسيوية لشراء شركات إيرانية.