بدأت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، أمس، زيارة إلى الشرق الأوسط، استهلتها في مصر، حيث برزت خلافات مع القاهرة حول التعاطي مع «حماس»، انتقلت من بعدها إلى رام الله، حيث التقت الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأبلغته «تأنيب» الرئيس جورج بوش له على قراره وقف المفاوضاترام الله ـ أحمد شاكر
القاهرة ـ خالد محمود رمضان

كشفت مصادر فلسطينية موثوقة لـ«الأخبار» أمس، عن أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أبلغت الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسالة شديدة اللهجة من الرئيس جورج بوش في شأن قراره تعليق أبو مازن المفاوضات مع إسرائيل.
وقالت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إن رايس أبلغت عباس رفض بوش تصرف طاقم المفاوضات الفلسطيني وإعلانه تعليق المفاوضات «محملاً إياه مسؤولية توقف المفاوضات وما ينتج منها».
وأشارت المصادر إلى أن رايس حمّلت عباس مسؤولية تعثُّر المفاوضات عبر عدم إعطاء الفرصة للفريق الفلسطيني المفاوض باتخاذ القرار من دون العودة إليه، وطالبته بتسهيل مهمة المفاوضين وعدم الضغط عليهم.
وفي مؤتمر صحافي بعد لقائهما في مقرّ المقاطعة في رام الله، قال أبو مازن إن «السلام والمفاوضات هما خيار الشعب الفلسطيني الاستراتيجي، وهو ما ورد في كل مرجعياتنا، وخاصة مبادرة السلام». وأكد أن الأمن يجب أن يكون للطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، عن طريق خلق نمط اقتصادي وسياسي، قائلاً: «لا يستطيع أحد أن يبرر ما قام به الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية في قطاع غزة».
ودعا عباس إلى تهدئة شاملة في الضفة والقطاع لتحقيق الهدف في جعل عام 2008 عام سلام، مضيفاً أن «الأمن لا يتحقق بالقوة العسكرية، بل بالتفاهم والحوار». وقال إن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي والاستيطان في القدس وزيادة عدد المعتقلين الفلسطينيين تعرقل المفاوضات، داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى وقف عدوانها وتوفير المناخ المناسب للوصول إلى السلام.
وطالب عباس، الذي لم يعلن التراجع عن وقف المفاوضات، «حماس» بوقف الصواريخ. كما طالب إسرائيل بوقف العدوان وفك الحصار عن قطاع غزة.
بدورها، أعربت رايس عن قلقها مما وصفتها «دوامة العنف في المنطقة». وأضافت: «نحن قلقون جداً من دوامة العنف التي حصلت أخيراً وفقدان كثير من الأرواح والأبرياء». وشدّدت رايس على ضرورة قيام دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، جنباً إلى جنب تعيشان بسلام. وقالت: «علينا جميعاً أن نُبقي عيوننا مفتوحة على ما نريد تحقيقه، وهو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ونحن نتطلع إلى استئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن بين الجانبين».
وأشارت رايس إلى أن «مؤتمر أنابوليس ركّز على ثلاثة محاور، أهمها المفاوضات التي يجب أن يدعمها تحسن في الأراضي الفلسطينية وأداء قوات الأمن الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني اقتصادياًَ»، مشدِّدة على «ضرورة وجود تحرك في التزامات خريطة الطريق». وقالت رايس إن «حماس تريد تدمير عملية السلام من خلال الاستمرار في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، ويجب أن تحاسب حماس على ذلك»، مشيرة إلى أن عباس يمثِّل كل الشعب الفلسطيني.
وكانت رايس قد بدأت زيارتها الشرق أوسطية في القاهرة، حيث التقت الرئيس المصري حسني مبارك. وقالت مصادر مصرية، لـ«الأخبار»، إن مبارك طالب الوزيرة الأميركية بممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على إيهود أولمرت لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ونقلت المصادر عن مبارك قوله لرايس إن «استمرار العدوان على غزة يحرجنا أمام الرأي العام المحلي، ويضعف المعتدلين في الساحتين الفلسطينية والعربية، والمستفيد الوحيد هو المتطرفون».
وخلال لقاء رايس ونظيرها المصري أحمد أبو الغيط، برز تباين في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع «حماس» وتقويم حجم العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة المحتل.
ورأت رايس أن «الطريق الوحيد لتحقيق السلام والكرامة للشعب الفلسطيني على الأمد البعيد يتمثل في التفاوض الذي يمكن من خلاله مواجهة جهود الرافضين والذين يعملون لخلق حالة الفوضى والعنف».
أما أبو الغيط فقال إن بلاده «تسعى إلى التوصل لوقف لإطلاق النار والتهدئة»، مشيراً إلى «إجراء اتصالات نشطة للغاية مع الجانب الإسرائيلي للمطالبة بعدم استخدام القوة المفرطة وضرورة توقفها، لأن هناك عدم تكافؤ في استخدام القوة».
لكن رايس أصرت على أنه «يجب أن توقف حركة حماس أولاً هجماتها الصاروخية على إسرائيل»، مشيرة إلى أنه «رغم أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، إلا أنه يجب أن تضع في الحسبان الآثار التي يمكن أن تتركها هذه الهجمات على المدنيين الفلسطينيين والتصورات الخاصة بمحادثات السلام».
وفيما شدد أبو الغيط على أنه سيكون من المهم أن تقتنع «حماس» بأن تشارك في العملية السلمية «إذا قاموا بتعديل سياستهم وعدم الاعتماد على العنف والعمليات العسكرية»، رأت رايس أن أعضاء «حماس» «مفسدون». وقالت: «إن حماس تعمل بنشاط ضد إقامة دولة فلسطينية، ومن الواضح للغاية أن حماس تحصل بشكل جزئي على أسلحة من الإيرانيين».
وفي ما يتعلّق بإرسال المدمّرة «كول» إلى قبالة السواحل اللبنانية، قالت رايس إن هذه «رسالة تستهدف تأكيد قدرة الولايات المتحدة على حماية مصالحها ومصالح حلفائها». لكنها أضافت أن المشكلة اللبنانية «لا علاقة لها بالولايات المتحدة أو بأيٍّ كان، إنها تتعلق بحق اللبنانيين، ينبغي أن ينتخبوا رئيساً، وأن يتم ذلك بسرعة». وتابعت تقول إن اللبنانيين «عاشوا طويلاً في ظل الوجود الأجنبي والترهيب الآجنبي. والآن يجب أن يكون الشعب اللبناني قادراً على ممارسة حقه الدستوري في انتخاب رئيس».
في هذا الوقت، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش أنه لا يزال «متفائلاً» بإمكان التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين قبل نهاية 2008، لكنه حض الجانبين على الوفاء بالتزاماتهما. وقال، إثر لقائه الملك الأردني عبد الله الثاني: «ما زلت متفائلاً كما كنت قبل (مؤتمر) أنابوليس».