strong>بول الأشقرتوجهت الأنظار أمس إلى الاجتماع الطارئ لمنظمة الدول الأميركية، الذي يعقد بطلب من الرئيس الإكوادوري، رافائيل كوريا، للبحث في خرق سيادة بلاده عبر الغارة الجوية الكولومبية، التي أدت إلى قتل القيادي في منظمة «الفارك» اليسارية الكولومبية، راوول ريّس و16 من مقاتليه.
ويبدو أن الساعات الأخيرة التي سبقت الاجتماع كانت مناسبة لأن تدعّم كل من كولومبيا والإكوادور وفنزويلا من حججها القانونية بخطوات على الأرض أو برفع مستوى الاتهامات السياسية بينها.
وكانت الإكوادور قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع كولومبيا، فيما طردت فنزويلا سفير بوغوتا لديها.
وجال الرئيس الإكوادوري على خمس دول محاذية لكولومبيا: البيرو والبرازيل وفنزويلا وبنما وجمهورية سان دومانيكان. المحرك المعلن لهذه الجولة هو أن ما حدث مع الإكوادور قد يحصل مع أية دولة من هذه الدول، إذا لم يُنّدَّد بالعمل الكولومبي وبضبط أدائه المقبل. وهو الإطار الذي يتحرك من ضمنه الرئيس كوريا، الطرف الأضعف في الصراع الجاري.
في هذا الوقت، أعلنت فنزويلا إقفال حدودها مع كولومبيا. القرار ـ إذا طبق ـ له نتائج اقتصادية على الأمد الطويل، وليس محسوماً كيفية تقاسم الأضرار الناتجة منه بين كولومبيا وفنزويلا، فيما بدأت أمس بعض كتائب الدبابات التي أرسلها الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، بالوصول إلى تلك الحدود. مع العلم أن هذه الخطوة «ليست لمهاجمة كولومبيا، بل لردع هجوم مُحتمل على فنزويلا، كالذي حصل في الإكوادور». في الواقع، تقول فنزويلا إن «ما حصل في الإكوادور كان من الممكن أن يحصل في فنزويلا». من هنا، عنى تشافيز بجملة «لا نريد إسرائيل في أميركا الجنوبية» الاعتراض على إعطاء حليف للولايات المتحدة الحق بملاحقة أهدافه ما وراء الحدود القائمة، إضافة إلى نموذج من التضامن الفاعل مع دولة صغيرة وحليفة هي الإكوادور انتهكت سيادتها.
ولا تدل الإشارات الآتية من كولومبيا إلى رغبة أكبر في ترطيب الأجواء: فتحت الشرطة الكولومبية أول من أمس «كومبيوتر» راوول ريّس ووجدت فيه «كمية» من الأشياء تحاول تحويل كل واحدة منها إلى قضية: محضر اجتماعات مع وزير إكوادوري، تمويل بـ300 مليون دولار من تشافيز لـ«الفارك»، صفقات مخدرات من «الفارك» إلى المكسيك، صفقة شراء 50 كيلوغراماً من الأورانيوم.
من جهتها، أقرّت الإكوادور بالاجتماع «المتعلق بمسألة الرهائن». وقال كوريا إنه «كان سيؤدي لإطلاق عشر رهائن جدد، من بينهم إنغريد بيتانكور والأميركيون الثلاثة وأقدم رهينة تحتجزها «الفارك» في آذار، لولا الغارة الكولومبية».
وفي السياق نفسه، قدّمت كولومبيا أمام محكمة العدل في لاهاي شكوى ضد تشافيز بصفته «عراباً للإبادة»، كما تنوي مقاضاة الإكوادور باسم القرارات 1368 و1373 لمجلس الأمن المتعلقة بالتعاطي مع الإرهابيين، وهي القرارات التي أقرت بعد عمليات 11 أيلول عام 2001 في نيويورك وواشنطن.
ويحاول الرئيس الكولومبي، ألفارو أوريبي، مدعوماً بشعبيته الداخلية التي وصلت إلى مستويات قياسية بعد غارة فجر السبت ومن الولايات المتحدة، توسيع دائرة البيكار للالتفاف على اجتماع منظمة الدول الأميركية، الذي لا يستطيع إلا التنديد بخرق حدود أحد أعضائه، وهو «خرق متعمّد ومخطّط»، فيما تثبت التقارير الإكوادورية أن الغارة بالتحديد أو الخروق الجوية الدائمة، إنما تجري تحت ذريعة قصف مزارع المخدرات الكيميائية.
أماَّ موقف الولايات المتحدة فسيكون مثيراً للانتباه في المنظمة، لأنه أُعلِن رسمياً عن زيارة ضابط استخبارات أميركي رفيع المستوى إلى بوغوتا عشية الغارة، إضافة إلى عدد من التقارير التي تتكلّم على اللجوء إلى الأقمار الاصطناعية الأميركية في الغارة، وحتى مشاركة عملانية للمستشارين العسكريين الأميركيين، بالرغم من تغطيتها العلنية للعملية باسم «الحرب على الإرهاب»، لهذا لن تكون الولايات المتحدة مرتاحة في الدفاع أمام 34 دولة، عن عملية خرق سيادة إحدى تلك الدول.
لعلّ النتيجة الأولى لتصعيدات نهار أمس، وخصوصاً من الطرف الكولومبي، أنها دفنت التسوية التي كانت تتحرَّك من أجلها البرازيل والأرجنتين والتشيلي في نزع فتيل الأزمة في الحصول من كولومبيا على اعتذار «أكثر صرامة» إزاء الإكوادور ووضع عدم تجدُّد ما حصل على السكة، من خلال إقرار آليات تنسيق مسبقة على الحدود الإكوادورية ـ الكولومبية، مراعاة لعقدة الإكوادور التاريخية كبلد «صغير» محشور بين كبيرين، كولومبيا والبيرو.
ومع المعطيات الجديدة، من الأرجح أن الملف سينتقل من يد المندوبين إلى وزراء الخارجية في الأيام القليلة المقبلة، فالحرب لا تخيف المراقبين في هذه البقعة من العالم بالرغم من المليارات التي صُرِفت على التسلُّح من الجيشين الكولومبي والفنزويلي، بل الخطر الحقيقي يكمن في نقل التوتر إلى الحدود، وفي تفكيك شبكات اقتصادية قائمة بين الدول، تحديداً فنزويلا وكولومبيا، وفي إعادة زرع سيناريو «حرب باردة» بين دول كانت قد نجحت العلاقات الإقليمية في انتشاله.
ربما كان ممكناً الحصول على إطلاق الرهائن قبل الغارة، مع إدارة الحرب الكولومبية على نار خفيفة. لكن بعد الغارة، قفزت مسألة السلام في كولومبيا إلى أولوية يستحيل تأجيلها.