باريس ـ بسّام الطيارةيأتي الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، كل يوم بفكرة وهو ما يثير إعجاب البعض رغم أن معظم الأفكار تعود على صاحبها تراجعاً في استفتاءات الرأي. إلا أن «فكرة مشروع الاتحاد المتوسطي» لن تترك أي أثر سلبي أو إيجابي لأنها بكل بساطة لم تعد موجودة بسبب تصميم ألمانيا، التي رفضتها منذ لحظة وضعها على طاولة طروحات سيد الإليزيه.
فقد تضمّن البيان المشترك الذي صدر الأسبوع الماضي عقب لقاء ساركوزي والمستشارة أنجيلا ميركل في هانوفر فقرة خصصت للاتحاد المتوسطي تقول بصراحة إن الزعيمين توصّلا إلى «تسوية» سوف تُطرح على قمة الـ٢٧ التي تُعقد الأسبوع المقبل في بروكسل، خلاصتها أن هذا الاتحاد لن يكون محصوراً بالدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، بل يمكن أن يشمل أي دولة في الاتحاد الأوروبي حسب نوعية المشاريع التي يمكن أن تطرح.
وبالتالي، فإن الضغوط الألمانية آلت إلى تخفيف «الانطلاقة السياسية» لمشروع ساركوزي وتوجيهه نحو «منصات اقتصادية» بجعل الأولوية للمشاريع التنموية والمشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية.
ويقول دبلوماسي فرنسي رافق المحادثات في هانوفر إن «ألمانيا ترى في مشروع الاتحاد المتوسطي نوعاً من عملية إعادة إحياء مسيرة برشلونة»، التي ترى برلين أنها «حجر زاوية التعاون الأوروبي المتوسطي منذ انطلاقها عام ١٩٩٥» في سياق مؤتمر مدريد لحل مسألة الشرق الأوسط وإقامة سلام بين العرب وإسرائيل.
وكانت مصادر فرنسية قد أوضحت في مطلع هذه السنة «أن مسيرة برشلونة مثقلة ببيروقراطية سياسية متعددة الرؤوس» تعيق التقدم السريع نحو تعاون مثمر ترتد نتائجه على دول المتوسط. مع العلم أن هذا التعاون قام على مساعدات أوروبية تقدر بنحو ٩ مليارات يورو منذ عام ١٩٩٥ إضافةً إلى قروض المصرف الأوروبي للاستثمارات التي تقدر بـ١٠ مليار يورو.
رغم هذا، قبلت باريس بطروحات برلين التي كانت قد «حذرت من إمكان انقسام أوروبي» بسبب هذا الاتحاد، الذي رأت ألمانيا أنه «يدير ظهره إلى قسم كبير من أوروبا» حسب المشروع الأساسي الذي تقدم به ساركوزي.
وقد تراجع ساركوزي أيضاً تحت الضغوط الألمانية عن «استقلالية تمويل المشاريع المشتركة» مع الدول المتوسطية وبات تمويلها مرتبطاً بقرار من مجلس أوروبا بناءً على اقتراح المفوضية الأوروبية، أي المقاربة نفسها التي تطبق على المشاريع المرتبطة بمسار برشلونة.
ويقول أحد الخبراء في العلاقات الفرنسية ـ الألمانية إن ساركوزي لم يأخذ بعين الاعتبار «الارتياب التاريخي» الذي تحمله ألمانيا لكل محاولة فرنسية ترمي إلى تأسيس «مناطق نفوذ جديدة لها» تقطف من ورائها مكاسب استراتيجية ومنفعة اقتصادية على مدى طويل. كما تقول بعض الأوساط الألمانية في باريس إن فرنسا سعت إلى موازنة ما كسبته ألمانيا بفتح أبواب الاتحاد الأوروبي أمام دول أوروبا الشرقية التي كانت هي المستفيدة الأولى منه، بمحاولة إنشاء «توازن عبر الارتكاز منفردةً على الاتحاد المتوسطي».
ومع اقتراب موعد دخول ألمانيا إلى مجلس الأمن كعضو دائم يمثل قوة سياسية ومالية كبرى، فإن برلين لا تريد ترك منبر العلاقات الأوروبية المتوسطية بين فكّي فرنسا وبريطانيا. وقد رأى البعض أن «الكباش على الاتحاد المتوسطي» هو أحد أضلاع النزاع الخفي بين هذه الدول الكبرى الثلاث لتثبيت زعامة إحداها على الاتحاد الأوروبي.