مي الصايغبعد الفوز الكاسح للتحالف الوطني الحاكم في الانتخابات العامة لعام 2004، يسعى رئيس الوزراء الماليزي عبد الله أحمد بدوي إلى تكرار إنجازه في الاستحقاق الانتخابي الذي سيجري غداً السبت، واستقطاب المزيد من الجماهير في مواجهة مثلث أحزاب المعارضة.
ورغم أن موعد الانتخابات العامة في ماليزيا يصادف في أيار من عام 2009، جاء القرار بحل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، على خلفية الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد بشأن ارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية وانتشار الجريمة وتصاعد التوترات العرقية واستشراء الفساد في جهازها القضائي.
تقديم الانتخابات أثار حفيظة رئيس الوزراء الأسبق أنور إبراهيم، لكونه يأتي قبل شهر من السماح له بخوض الانتخابات، بعدما فرض عليه حظر في أعقاب سجنه عام 1998. ورأى أن «من المخجل أن يختار رئيس الوزراء الدعوة إلى الانتخابات الآن».
وتتنافس أحزاب عديدة لكسب ود الناخبين، الذين يقارب عددهم 10,9 ملايين ناخب، وللسيطرة على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية الـ 222، و505 مقاعد في المجالس التشريعية في الولايات الماليزية، باستثناء 71 ولاية نظمت انتخاباتها في أيار 2006.
ويشغل الائتلاف الحاكم في ماليزيا منذ 5 عقود 198 مقعداً من مجموع 219 في «ديوان الشعب الفدرالي». ويتكوّن الائتلاف من 14 حزباً على اختلاف انتماءاتها العرقية، في مقدمها حزب «المنظمة القومية الملايوية المتحدة» (أمنو) بزعامة عبد الله بدوي.
في المقابل، تنقسم أحزاب المعارضة الماليزية إلى جبهتين رئيسيتين. الأولى تضم حزب «العدالة الوطني» بزعامة زوجة أنور إبراهيم، عزيزة إسماعيل، الممثلة الوحيدة للحزب في الندوة البرلمانية، والحزب الإسلامي (باس) بزعامة عبد الهادي أوانغ (7 نواب). أما الجبهة الثانية فيقودها زعيم حزب «العمل الديموقراطي»، ليم كيت سيانج، الذي يمثل الأقلية الصينية غير المسلمة، التي تشغل 12 مقعداً.
ورغم المُعطيات التي تؤكد احتفاظ الائتلاف الحاكم بالسلطة، إلا أنه لن يحصل إلا على غالبية ضئيلة، ولا سيما أنه يواجه خطورة ردود عكسية من جانب البوذيين والهندوس الذين يشكون عدم المساواة الدينية والعرقية في الدولة ذات الغالبية المسلمة، وهو ما دفع الأمين العام لحزب «باس»، كرم الدين جعفر، إلى «توقع تغيير كبير باتجاه المعارضة، وخصوصاً بين غير الماليين الذين لا يشعرون بالرضى بشأن الوضع الاقتصادي ومعدل الجريمة وغياب التوجه في قيادة بدوي».
ومع انخفاض شعبية رئيس الوزراء من 91 في المئة عند تسلمه السلطة إلى 61 في المئة في كانون الأول الماضي، توقّع المحلل السياسي، شمس الأميري بهار الدين، «أن يحقق التحالف الحاكم نتائج جيدة، ولكن ليس بشكل مماثل للانتخابات السابقة»، مضيفاً «أن الانتخابات السابقة بنيت على التوقعات، أما هذه فمبنية على الأداء خلال الأعوام الأربعة الماضية».
وتسعى المعارضة إلى الحؤول دون تكرار سيناريو انتخابات عام 2004، من خلال تقليص غالبية الائتلاف الحاكم إلى أقل من الثلثين. وتحاول تفعيل التعاون بينها، وهو ما انعكس جلياً في استراتيجيات العمل السياسي بين الحزب الإسلامي وحزب العدالة، إذ أوجد نوعاً من التوازن في توسيع المهام وتقسيم المناطق الانتخابية لاستقطاب أكبر عدد من المؤيدين. وبهذا التعاون يكون الحزب الإسلامي (باس) قد توصّل إلى حل لأزمة تقلص شعبيته بين الإثنيات الأخرى غير المسلمة التي تمثِّل نسبة لا يستهان بها (40 في المئة) داخل المجتمع الماليزي.
أما حزب العدالة (كيديلان)، فقرر خوض السباق الانتخابي عبر ترشيح ابنة أنور إبراهيم، نور، لتنضم إلى والدتها ولتدخل للمرّة الأولى معترك السياسة في مواجهة الحكومة.
ويأتي حزب العمل الديموقراطي (داب)، وغالبيته من الصينيين، ثالثاً في اتحاد أحزاب المعارضة. وبدخوله تصبح المواجهة شديدة بين أقطاب الحكومة والمعارضة التي باتت تسعى إلى تغيير حتمي يوصلها إلى سدة الحكم.
أمام هذه المخاوف، أعرب مسؤولو الائتلاف الحاكم (التحالف الوطني) عن ثقتهم بالاحتفاظ بثلثي المقاعد البرلمانية. وأكد نائب رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق أنه «لا يمكن إنكار أن التحالف الوطني لا يزال يحظى بدعم الشعب الماليزي وتأييده».
وبالعودة إلى عمليات التزوير التي تشكوها المعارضة، نقلت صحيفة «نيو ستريت تايمز» الماليزية عن أمين لجنة الانتخابات، قمر الزمان مهد نور، قوله: «إن اللجنة اكتشفت أسماء 8666 ناخباً مسجلاً ترجع تواريخ ميلادهم إلى قرن أو أكثر من الزمان». وأفادت الصحيفة اليومية أن من بين هؤلاء الناخبين شخصين يبلغان من العمر 128 عاماً.
وفيما تنفي اللجنة الانتخابية أن يكون النظام الانتخابي يحابي التحالف الوطني، ترى المعارضة أن حدود الدوائر الانتخابية وضعت بشكل يشتِّت قواها، وأن الكشوف الانتخابية مليئة «بالناخبين الأشباح».
ومع بروز ملامح لرغبة حقيقية في إيجاد تغيير جذري في نظام الحكم وإفساح المجال أمام الجبهة البديلة لكي تبرهن مدى صدق وعودها وتنفيذ إصلاحات تتطلع إليها مختلف شرائح المجتمع الماليزي، تبقى الكلمة الأخيرة بيد الشعب الماليزي الذي سيقرر السقف السياسي الذي سيستظل تحته.