باريس ـ بسّام الطيارةتنطلق، غداً، الانتخابات البلدية في فرنسا لتكون الاختبار الأوّل لشعبية العهد الجديد الذي أوصل نيكولا ساركوزي إلى سدة الرئاسة. وينتظر الجميع بلهفة أولى النتائج التي ستظهر لمعرفة توجّهات الحقبة المقبلة من الحياة السياسية الفرنسية: إمّا أن تكون مواكبة لرئيس ضعيف حتى نهاية ولايته أو تُظهر أنّ القطيعة فعلت فعلتها وأنّ الانتخابات البلديّة لا تتأثرّ بتراجع شعبيّة «زعيم الأكثريّة».
إلّا أنّ ما يميّز انتخابات هذا العام هو غياب «الحمية الإعلاميّة» وتقوقع حملات المرشّحين كلّ في منطقته واقتصارها على الصعيد المحلّي. ومن الغريب أنّ هذا الهبوط في حرارة التنافس يلائم الكتلتين الكبيرتين: فالحزب الاشتراكي، حزب المعارضة الأول، لا يزال يتلمّس طريقه نحو إعادة اللحمة بين زعمائه، الذين يتحضّرون لمعركة رئاسة الحزب والسيطرة عليه. أمّا الحزب الحاكم، «التجمّع من أجل الجمهوريّة»، فهو سعيد بخوض معاركه بعيداً عن أضواء الإعلام حتى لا ينعكس على مرشّحيه تراجع شعبيّة ساركوزي التي وصلت إلى درجة لم يبلغها رئيس قبله في الجمهوريّة الخامسةأمّا الأحزاب الصغيرة فيمكنها أن «تستعيد بعض عافيتها الماليّة» التي فقدتها خلال حملتي الانتخاب الماضيتين، من خلال خوضها انتخابات ذات طابع محلّي يصوّت فيها المواطن «للخدمات وللمقرّبين ولمن يعرف وجوههم»، وهو النمط والطابع التقليدي للانتخابات البلديّة الفرنسيّة حيث يمكن لأيّ مراقب أن يلمس الفروق في توجّهات الناخبين بين تصويتهم في الانتخابات النيابيّة أو الرئاسيّة وتصويتهم على صعيد المدينة أو القرية أو الحي.
إلّا أن ساركوزي، وفي خضم الاستفادة القصوى من زخم انتخابه رئيساً بأكثريّة مريحة أعقبتها انتخابات نيابيّة ربحها حزبه، أراد «تسييس الانتخابات البلديّة» فصرّح أكثر من مرة أنّه لا توجد انتخابات غير سياسيّة وأنّ كل اقتراع هو اقتراع سياسي بالدرجة الأولى. وطلب من وزرائه الترويج لهذا التوجّه رغم تنبيه بعض «ديناصورات اليمين» من خطورة هذا الطرح الذي يمكن أن يكبّل يدي الرئيس والأكثريّة إذا جاءت رياح النتائج لتعلن عدم حصول اليمين على «أكثرية نسبية على الصعيد الوطني» أو في المدن الكبرى.
لم يعر سيّد الإليزيه اهتماماً لهذه التحذيرات ومضى في طريقه يربط الانتخابات البلديّة بـ«إصلاحاته التي انطلق بها». بالطبع كان هذا قبل أن تبدأ شعبيّته بالتراجع، ما أخاف «زعماء المناطق» الذين شعروا بخطر متابعة هذا الربط بين «طروحات رئيس تتراجع شعبيّته» وانتخابات مناطقيّة، وخصوصاً في المناطق الريفيّة التي تقارب بحذر شديد كلّ «تلاعبات البيروقراطيّين الباريسيّين».
ومن المفارقات أنّه بخلاف أيّ انتخابات سابقة فإنّ أيّاً من مرشحي اليمين لم يطلب من رئيس الجمهورية أن يزور منطقته أو يحضر مهرجانه الانتخابي، وهي إشارات توضح مقدار الخوف من الصورة السلبيّة لساركوزي.
أمّا الاشتراكيّة سيغولين رويال، فهي تحضر ما لا يقلّ عن مهرجانين في الأسبوع وتنتقل بين المدن والقرى تدعم مرشّحي حزبها وتغتنم الفرص لتوجيه سهامها إلى «خصمها الوحيد» بما يفيد الآخرين أنّه لا هدف لها سوى الرئاسة، وأنّ معركتها مع أجهزة تنظيمها ما هي إلّا مقدّمة للمعركة الكبرى.
وتشير آخر الاستطلاعات التي غطّت أكبر 7 مدن إلى أن اليسار يمكنه أن يربح في باريس وليون وليل وستراسبورغ ورين، بينما المنافسة قويّة جداً في مارسيليا، وتوضح أنّ رئيس الوزراء السابق، ألان جوبيه، وحده يستطيع كسر التوقّعات وكسب مدينة بوردو.
أمّا جديد الانتخابات البلدية فهو اقتحام عدد كبير من ذوي الأصول الأجنبيّة حلقة الترشّح ووجود نسبة كبيرة بينهم لديها حظوظ كبيرة بالنفاذ.وتجدر الإشارة إلى أنّ 4 مرشّحين في باريس هم من أصل لبناني: جورج نصر في الدائرة الـ15، إحجاب خوري في الدائرة الـ16، باتريسيا صميدا في الدائرة الـ14، فيما تمثّل ماري تيريز عطا الله «حزب الخضر» في الدائرة الـ14. والأخيرة هي عضو حالي في مجلس باريس المنتهية ولايته وكانت مسؤولة عن القضايا الاجتماعية والصحية. بينما تترشح كلير عون عن دائرة في الضاحية الشماليّة.