هكذا تحوّل المتحاربون إلى «أحبّاء» وانتهت قطيعة تشافيز وأوريبيبول الأشقر
«تصوّر أزمة إقليميّة في آسيا أو أفريقيا تدوم أقل من أسبوع. تصوّر قطع علاقات دبلوماسيّة كالذي حصل بين نيكاراغوا وكولومبيا يستمرّ أقلّ من يوم واحد». بهذه الكلمات، حاول مندوب صحيفة «باجينا دوزي» الأرجنتينية شرح لقرّائه فرادةً ما حدث يوم الجمعة الماضي في سانتو دومينغو وكيف تحوّلت 7 ساعات من الخطابات الصاخبة إلى «نهاية سعيدة» كالتي تصرّ عليها الأفلام الهوليوديّة أو المسلسلات اللاتينيّة.
بدأت جلسة «مجموعة ريّو» بخطاب مؤثّر ومنهجي للرئيس الإكوادوري رافاييل كوريا. حاول بعدها أن يؤجّل الرئيس الكولومبي، ألفارو أوريبي مداخلته حتى النهاية، على الأقلّ إلى ما بعد مداخلة نظيره الفنزويلي، هوغو تشافيز. لم يفلح، فقام بعرض وافٍ مفصّل، مدعّم بكلّ ما جرى استخلاصه من ذاكرة كومبيوتر القيادي في منظّمة «فارك» الذي اغتالته القوّات الكولومبيّة على الأراضي الإكوادوريّة راوول ريّس.
مناظرة فكريّة قاسية وقيّمة بين مقاربتين، الأولى تركّز على سيادة الدول على أراضيها في جميع الظروف، والثانية على حق الدولة في الدفاع عن أمن مواطنيها من الأخطار التي تهدّدها. «إعادة إنتاج» أميركيّة لاتينيّة عن أحداث 11 أيلول وحرب العراق، أو عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ولكن هنا، في سانتو دومينغو، وفي إطار «مجموعة ريّو»، التي هي خليفة «مجموعة كونتادورا» التي أشرفت على إحلال السلام في أميركا الوسطى، نظريّة «الهجوم الاحترازي» (وإن تمّ الإصغاء إليها باحترام) كانت عاجزة عن خرق الإجماع على إدانة الغارة الكولومبيّة كما تبيّن من المتكلمين الذين تلوا الرئيسَين المتخاصمين. ثمّ أتى كلام تشافيز المفاجئ: خطاب طبعته لهجة جديدة تدور حول «أولويّة تحاشي فخّ الصراع» التي تريد أن تجرّنا إليه الإدارة الأميركيّة المنتهية ولايتها. وخُتم بأغنية لمصالحة «العشّاق المتزاعلين».
داخل المؤتمر، إضافة إلى العرّاب الدومينيكي الرئيس ليونيل فرنانديز، دور حاسم للرئيس المكسيكي، فيليب كالديرون، الذي تسلّم رئاسة «مجموعة ريّو» وللرئيسة الأرجنتينيّة، كريستينا فرنانديز ولممثّلي رئاستي تشيلي والبرازيل. وفي الوقت ذاته، كانت الجهود في الكواليس تتضاعف للوصول إلى صيغة بيان مقبولة من الجميع. وجرى التوافق على الصيغة العاشرة المقترحة، قبل دقائق من نهاية المؤتمر: تنديد بالغارة واعتذار «صريح» من الرئيس الكولومبي ووعده بعدم اللجوء إلى غارات مماثلة وقبول كوريا بضمّ الوثائق التي تسلّمها منه إلى جدول أعمال لجنة منظمة الدول الأميركية التي وصلت أمس إلى الإكوادور وقد تتوجّه اليوم إلى كولومبيا.
بعد الاتفاق على البيان، أعلن كوريا أنّ المشكلة انتهت بالنسبة إلى الإكوادور، وكرّت سبحة المصالحات: بين تشافيز وأوريبي الذي سحب شكواه ضدّ غريمه أمام محكمة لاهاي، وبين رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا وأوريبي اللذين توافقا على انتظار حكم محكمة لاهاي في الصراع حول السيادة على جزيرة سان أندريس التي تفصل بينهما. بعد الشتائم والاتّهامات، المصافحات والابتسامات أمام تصفيق الحاضرين الحار.
يخرج الرؤساء المعنيّون راضين عمّا حصل: بدءاً بكوريا الذي حدّد مطالبه منذ البداية وأحرزها تدريجاً في قمّتين إقليميتين. وهو يقترح الآن تحويل «مجموعة ريو» إلى «منظمة الدول الأميركيّة اللاتنية» كبديل عن «منظمة الدول الأميركيّة»، مروراً بتشافيز الذي هبّ دفاعاً عن حليفه الإكوادوري، وصولاً إلى أوريبي الذي صمد رغم عزلته وأوصل حججه إلى جميع المشاركين قبل القبول بالمساومات التي سمحت بإقفال الملف. وما أمّن له هذا الهامش من المناورة هو النقاط العسكريّة التي يسجّلها تباعاً على منظمة الـ«فارك»، والشعبية الخرافية التي صار يتمتع بها في بلاده والتي ستسمح له، ساعة يشاء، بتعديل الدستور لإعطائه الحق في الترشح مرة ثالثة لرئاسة الجمهورية.
وفيما قد يلتقي الرؤساء الثلاثة لحفلة موسيقيّة من أجل السلام على الحدود الكولومبية ـ الفنزويلية، ومرة أخرى في نهاية الشهر في كارتاخينا، كولومبيا، بمناسبة قمة رؤساء أميركا الجنوبية، عانت منظمة الـ«فارك» في يوم الجمعة نفسه، ضربة قاسية أخرى مع مقتل عضو ثان من «الأمانة العامّة القياديّة»، إيفان ريوس.
ومقتل هذا الأخير، وهو اقتصادي شيوعي وأصغر أعضاء القيادة، يدلّ عن الانهيار الحاصل في المنظّمة العسكريّة إذ إنّه في هذه المرة اغتيل القيادي في كولومبيا وعلى يد جهازه الأمني إثر محاصرة مجموعته وتجويعها. فأمام الوضع اليائس والمكافآت الماليّة التي يقدّمها الجيش، قرّر مسؤولو أمنه قتله، ثم بتروا يده وحملوها مع هويّته وكمبيوتره إلى محاصريهم.