بغداد ــ زيد الزبيديأمام باب قاضي المحكمة الشرعية في الكرخ، يتجمهر عدد من العرسان ومرافقيهم من الأقارب والأصدقاء، من دون ضجيج إعلامي. تنطلق الزغاريد وتوزَّع الحلوى حالما يزوّج القاضي شخصين، ليغدوَا «عروسين جديدين». ومن بين 12 خطيباً وخطيبة قدِموا لعقد قرانهم، كانت هناك ثلاث زيجات مختلَطة، أي تجمع بين الطائفتين السنية والشيعية.
هذا الأمر لم يكن بالغريب قبل اشتعال الفتنة الطائفية. لم يعتد أحد السؤال عن طائفة العريس أو العروس، أكانوا سنّة أم شيعة. أمّا اليوم، فلا تثير مثل هذه الأسئلة أيّ دهشة وباتت رياضة وطنيّة يتّفق العديدون على أنها دخلت بلاد الرافدين على الدبّابة الأميركيّة.
عماد وأسيل، عملا معاً في إحدى الشركات الخاصّة في منطقة الدورة. كلاهما لم يفكّر في الطائفة التي ينتمي إليها الآخر حين قرّرا الزواج بعد قصّة حب. في ذلك الوقت، كانت أعمال العنف الطائفي في أوجها. أُغلقت الشركة التي يعملان فيها بعد اختطاف عدد من موظفيها وقتلهم.
انسحب التهجير على أسرة عماد، فغادر الدورة إلى منطقة الحصوة ذات الغالبيّة السنية، فيما بقيت أسيل مع أسرتها في منطقة المعالف ذات الغالبية الشيعية. إلّا أنّ هذا الأمر لم يمنعهما من تحقيق حلمهما.
تقدّم عماد لخطبة أسيل من دون الذهاب إلى منطقتها، إذ جرى الاتفاق على التفاصيل عبر الهاتف. وفي يوم العرس، ذهبت مجموعة صغيرة من النساء والأطفال في سيّارتَي أجرة لجلب العروس. خرجت «الزفّة» من منطقة المعالف لتستقبلها سيّارات أهل العريس في منطقة «محايدة». ونقلت بعدها العروس والنساء والأطفال إلى الحصوة.
عقد القران جرى قبل الزفاف في محكمة أبي غريب، وحين توقّف القاضي مبتسماً أمام اسم العروس، مازحه عماد قائلاً، «الحب يصنع المعجزات».
كاراج لتبادل العرسان
على الطريق السريع المؤدّي إلى قضاء أبي غريب، يقع كاراج «التبادل التجاري»، الذي يمثّل نقطة فاصلة بين العاصمة بغداد ومحافظة الأنبار. اشتهر هذا الكاراج بسبب تبادل الأثاث بين المهجّرين من بغداد باتجاه الأنبار والعكس، وتكرّست هذه الشهرة بعد محاولات عديدة «لتبادل العرسان» بين عامي 2006 و2007، وخصوصاً في فترة التأزّم الطائفي.
محمد سلمان، عامل في الكاراج، يقول إنّه شهد أكثر من حالة زواج بين أبناء الطائفتين السنية والشيعية. «يجري تسليم العروس لعريسها وأهله وسط عناق وتبادل القبل بين الأهل، إلّا أنّ هذه الأعراس تحرم العروسين الاستمتاع بطقوس الزفاف العراقية المعروفة».
من جهته، قال رعد إبراهيم، وهو سائق شاحنة، «تزوّجت ابنة عمّي بالطريقة نفسها. فأهلها يسكنون منطقة الجوادين في الكاظمية بعد تهجيرهم من منطقة أبي غريب، وكانت مخطوبة لشاب سني، إلّا أنّ والدها حاول فسخ الخطبة بعد التهجير حفاظاً على سلامة ابنته. بيد أنّها أصرّت على الاستمرار بتشجيع من أشقّائها، لأنهم لا يزالون يأملون أن تنتهي تلك الظروف التي فرّقت بيننا، ونعود إلى منازلنا وأصدقائنا قريباً».
ويضيف إبراهيم «رفضت ابنة عمي إطلاق اسم له مدلول سنّي أو شيعي على مولودها الأوّل، فأطلقت عليه اسم: سلام».
وفي محكمة الكرخ، بدت الحاجة أم عدنان سعيدة بعدما تمكّنت من مرافقة ابنة شقيقتها إلى المحكمة لعقد قرانها. إذ كان العام الماضي نذير شؤم بالنسبة إليهم. «فحين تقدّم شاب من منطقة المحمودية حيث كنا نسكن لخطبتها، حصلت تلك الأحداث المؤلمة وفقدت شقيقتي زوجها، واضطررنا إلى مغادرة المنطقة إلى بغداد للسكن في مدينة الحرية».
أضافت الحاجة «بعد التحسّن النسبي في الظروف أخيراً ومرور عام على وفاة زوج شقيقتي، وافقنا على إتمام زواجها من خطيبها الذي لا يزال يسكن في المحمودية، رغم تردُّد أعمامها ومحاولتهم تزويجها أحد أبنائهم. سنزفّها إلى خطيبها ونرافقها لنهيّء عودتنا إلى منطقتنا».
وفي السياق، يقول أحد قضاة المحكمة الشرعيّة، في ما يتعلّق بالزيجات المختلَطة، «لن نفكّر بالتأكيد في إحصاء عن عدد العرسان من الطائفتين السنية والشيعيّة. فهذه الزيجات لم تنقرض في أحلك الظروف، رغم تضاؤلها مع تفاقم الفتنة الطائفية. إلا أنها عادت لتزدهر في الفترة الأخيرة مع الهدوء النسبي السائد».