معمر عطويلم يكن وقوف إندونيسيا إلى جانب إيران في التصويت على قرار العقوبات الدولية الأخيرة في مجلس الأمن نهاية الشهر الماضي، مجّاناً، بل موقفاً مدفوع الثمن. ثمنٌ سرعان ما تبلوت طبيعته خلال الزيارة الحالية للرئيس الإندونيسي، سوسيلو بامبانغ يودويونو، إلى الجمهورية الإسلامية، مصطحباً معه إيصالات فواتير التعاون المقبل.
وكان من الطبيعي أن يحمل التصريح الأول للرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، شكراً جزيلاً لنظيره الإندونيسي، لقاء امتناع بلاده عن التصويت على القرار الدولي الذي حمل الرقم 1803، وإشادة بالموقف اليتيم «العادل والقانوني» المُتفرّد من بين دول مجلس الأمن الـ15.
لكن مصاديق هذا الشكر لم تتوقَّف عند الترحيب بالضيف، الذي تُعدّ بلدُه أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بل ما تمخّض عن اجتماعات مسؤولي البلدين من اتفاقات
جرى توقيعها تتناول قطاعات الزراعة والتعليم وغرف التجارة وبناء المصافي النفطية. فضلاً عن «استعداد» إيران لتقديم تجاربها «القيّمة» إلى جاكرتا، وخاصة في مجال «التكنولوجيا السلمية النووية».
لعلّ الثمن المُعجَّل للموقف الإندونيسي، هو توقيع اتفاق لإقامة مصفاة للنفط تبلغ طاقتها 300 ألف برميل يومياً، في إندونيسيا بالتعاون مع شريك ماليزي.
ومن دون أدنى شك، بدت هذه الإغراءات الإيرانية، سبباً لوقوف إندونيسيا إلى جانب طهران، رغم تصويتها إلى جانب قرار العقوبات الأسبق الرقم 1737. إغراءات أثبتت نجاحها من خلال ما أعلنه الرئيس الأندونيسي في طهران أمس عن دعم للنظام الإسلامي، حين دعا بعد لقائه نجاد إلى ضرورة عدم تسييس نشاطات إيران النووية «السلمية»، معتبراً أن سبب اتخاذ بلاده هذا الموقف هو تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المُثير في المسألة أن إيران، رغم هاجس العزلة الذي تعيشه، لا تزال رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية والدولية، بحيث تحسب لها الدول الكبرى أكثر من حساب لأهميتها الاقتصادية بالدرجة الأولى.
يتجلّى هذا الالتفاف حولها كشريك اقتصادي، في استمرار التعاون بينها وبين كل من موسكو وبكين وبعض العواصم الأوروبية، رغم تصويت هذه الدول على قرار العقوبات الموسّعة. أكدت روسيا ذلك من خلال شركة صناعة الطائرات الموحدة، التي أشارت إلى استمرار سريان عقد تجهيز إيران بـ100 طائرة ركاب من طراز «تو ـ 204» و«تو ـ 214» قد يوقَّع في عام 2009 بقيمة تبلغ 2 ـ 5ر2 مليار دولار.
أماَّ الصين، فقد شدَّدت غداة صدور القرار الدولي، على أن العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الأمن على طهران لن تؤثِّر على تجارتها مع إيران.
من المؤكد أن التقاء البلدين حول «إسلامية الهموم» في فلسطين ولبنان والعراق، ليس السبب الذي دفع جاكرتا للوقوف إلى جانب طهران، فأمام رائحة النفط والمال قد تتغَّير معادلات كثيرة في هذا العالم.