strong> لا شك في أن الحضور اللّافت للرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، على المسرح السياسي الإيراني، قد تجلّى أكثر قبيل الانتخابات التشريعية التي تجرى غداً في البلاد. إذ يُعدّ «مرشَّح الشباب» أحد أعمدة الحياة السياسية القائمةمعمر عطوي
رغم انحسار فرص التمثيل التي يمكن أن يحظى بها تياره الإصلاحي، بعد شطب السلطات أسماء عدد كبير من مرشحّيه، لا يزال الرئيس السابق، محمد خاتمي، يمتلك فرص الحفاظ على حضوره في المشهد السياسي الإيراني، مع إمكان عودته الى كرسي الرئاسة في انتخابات عام 2009.
لقد بدا خاتمي، الذي وصف استبعاد اكثر من ألفي طلب مرشح إصلاحي بـ«الكارثة»، في صلب المعركة الانتخابية، حين وقف بين مؤيديه أمس، وسط مسجد الإمام الرضا في مدينة إسلام شهر عند أطراف طهران، ليوجّه دعوة إلى الناخبين للمشاركة بكثافة في الانتخابات التشريعية «دفاعاً عن الحرية».
خاتمي المُنرعج بشدة من الحملة السياسية التي استهدفت شقيقه محمد رضا، واتهمته بالخائن لاجتماعه مع السفير الألماني لدى طهران، هربرت هونسوفيتز، حوَّل مسار المعركة من وجهة اتهام الإصلاحيين، إلى توجيه سهام النقد نحو المبدئيين (المحافظين)، بقوله «يُقال إن الرئيس الأميركي يدعم هذا الفريق أو ذاك، وإن هذه المجموعة أو تلك مرتبطة بأطراف خارجية.. إن الأميركيين هم في الواقع أنصار الذين يوفّرون لهم ذرائع للبقاء في المنطقة».
وهكذا يُكرّر خاتمي انتقادات المعارضة لسياسة حكومة محمود أحمدي نجاد «الاستفزازية» التي تجلب العزلة والعقوبات على النظام الإسلامي، مستفيداً من بعض الممارسات التي طالت الحريات الشخصية في الفترة الأخيرة، ليؤكد شعاراته عن «الاستقلال وحرية اختيار المستقبل وحرية اختيار النظام السياسي وحرية محاسبة (القادة) وحرية القيام بتغيير من دون اللجوء إلى العنف».
ربما شعر خاتمي، غير المُرشح شخصياً للانتخابات النيابية، بخطورة اتهامات المبدئيين لشقيقه، الذي يرأس حزب جبهة المشاركة الإسلامية (أحد أكبر أحزاب الإصلاحيين) وصهر عائلة مؤسس الثورة الراحل الإمام الخميني (متزوج حفيدته زهراء إشراقي)، وخصوصاً أن آخر الانتقادات وردت على لسان المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، أمس حين غمز من قناة محمد رضا بقوله «من المؤشرات التي تدلُّ على أن شخصاً غير مؤهّل لدخول البرلمان هي عندما لا يرسم حدوداً واضحة مع العدو ودمى العدو». حملة عنيفة شارك فيها أيضاً نائب رئيس مجلس الشورى، محمد رضا باهونار، الذي قال «إن الذين يجرون اتصالات مع العدو، والذين يلتقون سفراء أجانب لا يمكن أن يكونوا من أصحاب القرار في النظام».
ولم يتوقف الهجوم على التيار الإصلاحي عند هذا الحد، بل كان هناك هجوم آخر قام به وزير الاستخبارات، غلام حسين محسني ايجائي، ضد المقابلة التي أجراها النائب الإصلاحي نور الدين بير مؤذن، مع تلفزيون صوت أميركا، إذ وصف هذه الخطوة بـ«الخيانة».
أماّ بالنسبة إلى قضية الحضور اللافت لخاتمي، فقد يتجسّد ذلك، من خلال الهامش الضيّق الذي يُمكن أن يحصل عليه صاحب فكرة «حوار الحضارات»، من مقاعد قد تُكوّن صورة المعارضة المُقبلة للرئيس نجاد وسياسته الاقتصادية، ولا سيما أن من بين المرشّحين الإصلاحيين وزراء كانوا في حكومته، على غرار وزير الزراعة، عيسى كلانتري ووزير الصناعة والمناجم اسحاق جهانغيري.
يمكن القول إن جمعية «روحانيون مبارز» (منظمة رجال الدين المناضلين) التي ينتمي إليها خاتمي، إضافة إلى جبهة المشاركة الإسلامية التي يتزعّمها شقيقه وائتلاف «2 خرداد»، هي التي تُؤلّف محور أحزاب المعارضة الإصلاحية.
غير أن حظوظ «منظمة مجاهدي الثورة» و«جمعية عمال البناء» الأكثر ليبرالية داخل التيار الإصلاحي، قد تراجعت كثيراً، إذ كان نصيبهم من استبعاد المرشحين حصة الأسد. ولا سيما أن هذا التيار كان قد اقترح في السابق تعديل تقليص صلاحيات الولّي الفقيه.
أماّ بالنسبة إلى خاتمي (63 عاماً) كشخصية كاريزماتية، تستقطب الشباب التواقين للحريات، فإنه يجمع إلى مؤهلاته السياسية، مركزه الديني، إذ بلغ مرحلة الاجتهاد في الدراسات الحوزوية الدينية، فضلاً عن حصوله على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة أصفهان.
وفي سياق مسيرته السياسية، انتخب خاتمي نائباً في أول مجلس شورى بعد الثورة، ثم تولّى منصب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي لمدة 11 عاما (1981-1992)، والذي استقال منه، رافضاً الخضوع لضغوط وشروط المحافظين. كما تولَّى مسؤوليات عديدة أثناء الحرب مع العراق، بما فيها نائب ورئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة، ورئيس قيادة الحرب الدعائية. إلى أن عُين مستشاراً لرئيس الجمهورية (1992).
وفي أيار من عام 1997، أصبح خاتمي الرئيس الخامس للجمهورية، محققاً نسبة 70 في المئة من الأصوات، ممثلاً بذلك أكثر من عشرين مليون ناخب، ثم انتُخب لولاية ثانية عام 2001 انتهت عام 2005.
وفي عهد الشاه، كانت لخاتمي نشاطات سياسية معارضة، إذ شارك في نشر البيانات الصادرة عن مؤسس الجمهورية الإيرانية. وترأس مركز هامبورغ الإسلامي في ألمانيا في الفترة التي سبقت انتصار الثورة عام 1979.
لعلّ أبرز ما يرتبط به المفكر الرئيس هو الإصلاح السياسي والانفتاح وحرية الصحافة والتحرُّر الاجتماعي وزيادة حجم مشاركة المرأة وارتفاع عدد الطلاب في المدارس والجامعات. مناخات شهدتها إيران نسبياً في عهده. أماّ على صعيد السياسة الخارجية، فقد ارتبط اسمه بتحسين صورة إيران في العالم، نسبياً أيضاً، ولا سيما أنه أعاد بعض الحرارة الى خط العلاقات مع الدول العربية والخليجية منها.
لقد استطاع خاتمي خلال فترتي حكمه، تكوين رصيد من الإنجازات التي تُحفظ في سجلّه، لكن قطف ثمار هذه الإنجازات لن يكون قبل عام 2009، إذا ظلَّ نجاد على خطاه المتثاقلة في معالجة التدهور الاقتصادي.