strong>يحتّل العنوان الاقتصادي صدارة الحملات الانتخابية في إيران، حيث يتوجّه اليوم حوالى 40 مليون ناخب الى صناديق الاقتراع لاختيار 290 عضواً في الدورة الثامنة من انتخابات مجلس الشورى الاسلامي، فيما يتوقَّع بدء إعلان النتائج الاثنين المقبل
الاقتصاد حجر الرحى... و«النوويّ» في قبضة المرشد

معمر عطوي

ما بين الشعار الإصلاحي الداعي إلى «السيطرة على الأسعار المرتفعة وإحلال اقتصاد مزدهر»، والشعار «المحافظ» الداعي الى «الحد من التضخُّم والقضاء على احتكار الدولة»، يقف الشعب الإيراني اليوم أمام اتجاهين لا ثالث لهما. الأول، قد يقود البلاد نحو مزيد من الإصلاحات الاقتصادية والانفتاح على الخارج وتوسيع هامش الحريات. والثاني يدعو الى التمسُّك بالخيار النووي وبالقبضة الحديدية، مهما كانت نتيجتها على الوضع الداخلي اقتصادياً، وعلى الوضع الدولي لجهة تعريض البلاد لمزيد من العزلة الدولية.
المناخ السائد في إيران اليوم هو أن المبدئيين (المحافظين) هم من سيشكِّل غالبية المجلس المُقبل، بعد استبعاد أكثر من 2000 مرشَّح معظمهم من الإصلاحيين. لكن السؤال يبقى حول هوية المحافظين الآتين الى المسرح السياسي المقبل، في ظل انشقاق هذا التيار بين محافظين «إصلاحيين»، أبرز من يُمثّلهم علي لاريجاني، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي لدى المجلس الأعلى للأمن القومي، ومحافظين «أصوليين» بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد.
فالتيار المحافظ الرئيسي، الذي يضمّ أنصار نجاد «المسترشدون بالمبادئ»، يخوض المعركة الانتخابية تحت اسم «جبهة المدافعين عن المبادئ». وتحظى هذه الجبهة بدعم صريح من جمعية «روحانيات مُبارز» (رجال الدين المناضلين)، التي يرأسها أحد أبرز رجالات الدين في الحوزة العلمية آية الله مهدوي كني. وتلقى هذه الجبهة دعماً غير مُعلَن من الحرس الثوري.
هذا التيار، الذي تُحمّله المعارضة مسؤولية تردّي الوضع الاقتصادي، بات في دائرة الاتهام، ولا سيما بعدما وصل حجم التضخُّم الى نسبة 19.2 في المئة، وازدادت الأسعار بما يفوق 16 في المئة، ومنذ أن تقلصّ هامش الحريات لدرجة ملاحقة واحتجاز طلاب أرادوا التعبير عن آرائهم في قضايا سياسية واقتصادية.
ربما استطاع نجاد، الذي يقود حركة «عطر الخدمة الذكية»، أن يسير ببرنامج بلاده النووي الى نقطة يصعب معها القول إنه فشل. لكن نتائج ذلك على وضع الاستثمارات الاجنبية في الداخل وعلى العلاقات مع الغرب كانت محل انتقادات الكثيرين، عدا عن خطابه المتكرر «غير الدبلوماسي» تجاه إسرائيل والغرب.
من هنا كان لكبير المفاوضين النوويّين السابق، علي لاريجاني، وجهة نظره الخاصة في الأداء التفاوضي مع الغرب، التي حملته على الاستقالة، ليتوجَّه بطموحاته نحو كرسيّ الرئاسة في انتخابات عام 2009. لعلّ أبرز نتائج هذا الاختلاف في وجهات النظر، دفع لاريجاني وأصدقائه إلى تشكيل تيار وسطي داخل المحافظين أطلق عليه اسم «الائتلاف الموسَّع للمدافعين عن المبادئ» ويضم رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي.
لكن المفارقة هي في وجود مرشحين مشتركين لهذا التيار مع الجبهة الرئيسية، يبلغ عددهم حوالى 200 مرشح، بينما يبلغ عدد المرشحين على اسم التيار وحده حوالى 35 مرشحاً، ومعظمهم في طهران، حيث لا يوجد سوى تسعة مرشحين مشتركين بين الطرفين لملء ثلاثين مقعداً. مع العلم بأن «جبهة نجاد» تقدمّت بـ275 مرشحاً، في مواجهة 243 مرشحاًً «لائتلاف أصدقاء لاريجاني».
ورغم أن لاريجاني قدَّم ترشيحه عن مدينة قم الدينية، حيث يحظى بدعم بعض المراجع هناك، فإن تياره يراهن على مقاعد العاصمة، في ظل ترجيح كفة تيار نجاد في المحافظات والقرى النائية، حيث قام الأخير بجولات على المناطق، وزّع خلالها الأموال الناتجة عن «الطفرة» النفطية، في محاولة لتنفيذ وعده «الانتخابي» بتوزيع الأموال النفطية على الفقراء، وهو ما أدى الى هذا الارتفاع الخطير في حجم التضخُّم والبطالة.
في أي حال، لا ينظر الشارع الإيراني الى المنافسة بين الجبهة والائتلاف، على أنها قد تُغيّر كثيراً من الأمور الجوهرية، فالخلاف بدأ في الأساس لأسباب تتعلّق بطموحات رئاسية عند البعض وانتهى بخلاف على أسماء مرشّحين خصوصاً على مقاعد طهران، وعلى الحصة الكبيرة المعطاة على اللوائح لتيار «عطر الخدمة الذكية».
لعلّ ما يميز الانتخابات البرلمانية الايرانية، هو كثرة «القادة» الحالمين بمنصب الرئاسة، فعلى الجانب الآخر من المشهد، يقف الإصلاحيون منقسمين أيضاً الى أكثر من لائحة: الأولى يتزعمها الرئيس السابق محمد خاتمي، وتضم حوالى 21 حزباً أبرزها: جبهة المشاركة الاسلامية وجمعية «روحانيون مبارز»، وائتلاف «2 خرداد»، إضافة الى «جمعية عمال البناء» و«منظمة مجاهدي الثورةوالثانية يتزعمها رئيس مجلس الشورى السابق، رئيس حزب اعتماد مللي «الثقة الوطنية»، الشيخ مهدي كروبي، الذي يملك الحظ الأكبر في تحقيق نتائج نظراً لقبول معظم مرشّحيه على لوائح الترشيح.
ومن المهم التذكير بأن التيار الإصلاحي الذي عكف منذ وصول نجاد الى الرئاسة عام 2005، على انتقاد الحكومة بسبب سياستها الاقتصادية والخارجية، وموضوع الحريات وغيرها من الأمور، لم يُحقّق أثناء فترة حكمه (1997ـ2005) نتائج كبيرة على مستوى برنامجه الاقتصادي، الأمر الذي أدى الى فشله أمام تيار المحافظين في الانتخابات الماضية لعام 2004.
ومما زاد طين الإصلاحيّين بلّة، دعم خامنئي لتيار المبدئيين، على خلفية تضمُّن لوائح الإصلاحيين أسماءً مشكوكاً في «وطنيتها» لعلاقتها بالسفارات الأجنبية على غرار المفاوض السابق حسين موسويان وشقيق خاتمي، محمد رضا.
انطلاقاً من هذه المناخات، وُظفت الشعارات الكبرى في المعركة الداخلية، حيث استغّل المبدئيون المواجهة الحامية مع الغرب على خلفية البرنامج النووي، واحتمالات التصعيد العسكري الأميركي ضد النظام الاسلامي، لإطلاق الاتهامات لشخصيات إصلاحية بالترويج ضد النظام الاسلامي، رغم أن كلاً من الطرفين يزايد على الآخر بشعار «الإخلاص لمبادئ الثورة والإمام الخميني».
من هنا كانت دعوة المرشد الأعلى مواطنيه الى المشاركة بكثافة «رداً على إرادة ورغبة العدو» الأميركي، بينما كان تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني (المحافظ) غلام علي حداد عادل، يوحي بأن المعركة ستكون للحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، معتبراً أن واشنطن «لن تصل إلى مبتغاها» في جعل مجلس الشورى «تابعاً لها».
وسط هذه المناخات، يقف الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، محافظاً على وسطيته في ظل لعبة التجاذب هذه؛ فرئيس مجلس خبراء القيادة الذي عرف بعلاقته الوطيدة مع خامنئي، وقف الى جانب الإصلاحيين في موضوع استبعاد مرشحين، لكنه لم يتوصل الى اتفاق معهم لخوض المعركة في لائحة واحدة.
وأمام هذه الخريطة المُعقّدة لتوزيع التيارات السياسية في إيران، يمكن القول إن سلطة المبدئيين قد نجحت في تقليص فرص تقدُّم الإصلاحيين، عبر استخدامها طرقاً متعددة:
1ـ استبعاد ترشيحات بحجة عدم الأهلية أو عدم توافر شروط الإخلاص للثورة والالتزام بالإسلام.
2ـ فرض قيود على الحملات الإعلامية تحت شعار «نظافة المدن»، بما يمنع المرشحين من لصق صورهم في الأماكن العامة، فيما توافر لمرشحي المبدئيين فرص الظهور الإعلامي في الوسائل المملوكة من الدولة.
3ـ استخدام الضغوط الدولية واتصالات بعض المسؤولين المحسوبين على الإصلاح بدوائر أجنبية، ورقة «تخوين» في وجه الإصلاحيين.
4ـ توظيف «الانتصار» النووي، الذي استطاعت من خلاله الحكومة السير قدماً في أنشطتها الحساسة رغم صدور 3 قرارات بالعقوبات ضد طهران، ورغم الحظر التجاري المفروض من دول الغرب على النظام الإسلامي.
5ـ دعم المرشد وقيادات الحرس الثوري الإسلامي لمرشحي المحافظين، علناً وضمناً، رغم ظهور خامنئي في أكثر من مناسبة كأنه على مسافة واحدة من الجميع: دعوته خلال الشهر الماضي الفصائل المتنافسة إلى ألاَّ «يدمّروا ويهينوا» بعضهم بعضاً في الحملة الانتخابية.
نتيجة هذه السياسة المدروسة، استطاع تيار السلطة أن يمنع حصول منافسة حقيقية في البلاد، إذ إن مصير 160 مقعداً من مقاعد البرلمان قد تقرّر سلفاً، فيما لا يزال الإصلاحيون قادرين على المنافسة على 130 مقعداً فقط.
زبدة القول، أن التيارات السياسية على اختلافها، وإن وظّفت الكثير من الملفات في معركتها الانتخابية، لم ولن تستطيع تجاوز المسألة الاقتصادية، التي تُعد حجر الرحى في المسائل المُلحة للشعب الإيراني. ففي نهاية الأمر، لن تُحدث نتائج هذه الانتخابات أي تحوّل كبير في السياسة الخارجية أو النووية، ما دامت في قبضة المرشد.


البرلمان الإيرانيومن أبرز شروط قبول المرشّح:
1ـ الإيمان والالتزام العملي بالإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. (يستثنى من هذا الشرط أتباع الأقليات الدينية المعترف بها بالدستور ويستبدل الشرط بالإيمان التام بديانتهم).
2ـ يجب أن يكون حاصلاً (إلا في بعض الاستثناءات النادرة) على شهادة تعادل سنتين من الدراسات العليا.
3ـ الإعلان عن الإخلاص للدستور ومبدأ ولاية الفقيه.
ويملك البرلمان الايراني صلاحيات واسعة ويصادق على اقتراحات القوانين الحكومية وتعيين الوزراء. إلا أن تشريعاته تخضع لموافقة مجلس صيانة الدستور المكلف التحقّق من تطابق القوانين مع الشريعة. وفي حال النزاع، يعود القرار الأخير الى مجلس تشخيص مصلحة النظام، جهاز التحكيم الأعلى في البلاد.
ولا حصانة قانونية من القضاء لأعضاء المجلس إلا ما استثنى في المادة رقم (89) من الدستور من حيث حرّية النائب في إبداء الرأي في كل قضية تطرح في المجلس من دون أن يتعرّض لمساءلة من القضاء أو أي جهة أخرى.