باريس ـ بسّام الطيارةحاولت باريس، منذ انطلاق شرارة مقاطعة معرض الكتاب، الذي يستضيف إسرائيل، أن تبتعد عن «الحقل السياسي» في عملية تواصلها الإعلامي مع ردة فعل الدول العربية والإسلامية المقاطعة. فبالنسبة إلى فرنسا، فإن «الضيف هو الأدب الإسرائيلي» والبعد الثقافي هو خط الدفاع الأول عن «مجموعة المصادفات» التي جعلت من معرض هذه السنة يتزامن مع الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وأن يصادف وجود «صديق فرنسا الكبير» شمعون بيريز في زيارة دولة طويلة تدوم استثنائياً خمسة أيام، حولت باريس إلى ثكنة عسكرية كبلت المواطنين وشكلت أزمة سير خانقة حول مكان المعرض بسبب الإجراءات الأمنية المكثفةصدفة واحدة لم يحسب أحد حسابها عند برمجة الحدث منذ سنة ونيف، وهي دخول في عاصفة الإعلان عن المعرض واللغط حول استضافة إسرائيل مع خروج أنباء شهداء العنف الإسرائيلي في الضفة وغزة والحديث عن حصار القطاع.
ومن هنا يمكن فهم محاولات المسؤولين الفرنسيين والدبلوماسيين الابتعاد عن فضاء السياسة والبقاء في فضاء الأدب والآداب. إلا أن بيريز «السياسي المحنك» لا يستطيع أن يفوِّت فرصة التشديد على البعد السياسي للحدث، ولو كان في الأمر إحراج كبير «لأصدقائه الفرنسيين».
ففي الكلمة التي استقبل فيها بيريز، أسف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لمقاطعة الدول العربية والإسلامية، بحجة أنه لا يجب «مقاطعة الأفكار»، بينما أعلن بيريز «أسفه الشديد» للمقاطعة وقال: «أعتقد أن هذا ليس بالعمل الذكي بتاتاً». واستطرد بأن الذين يقاطعون «يقاطعون أنفسهم».
وكانت السياسة في صميم الزيارة «التاريخية»، كما وصفها المتحدّث الرسمي للإليزيه، ديفيد مارتينو، الذي أشار إلى خطاب بيريز للتأكيد على أنه «قد أعيد رسم تاريخ العلاقات الفرنسية الإسرائيلية»، واصفاً الرئيس الإسرائيلي بأنه «الشاهد على تاريخ هذه العلاقة».
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد «ذكّرت إسرائيل»، بمناسبة الاتصالات السياسية القائمة في باريس على أعلى المستويات، بضرورة «وضع حد للاغتيالات التي تجري خارج إطار القانون» والتي وصفتها بأنها غير شرعية. ولم تنس أن تدين إطلاق الصواريخ على الدولة العبرية.
ومن ضمن احتفالات الزيارة الرسمية والذكرى الستين لتأسيس إسرائيل، زار بيريز «حائط السلام» الذي صممته المثقفة كلارا هالتر. والفكرة مستلهمة من «حائط المبكى»، كما تقول الإعلانات التي تروِّج للمكان وموقعه على الإنترنت، وتم «افتتاح الحائط» عام ٢٠٠٠ بحضور الرئيس السابق جاك شيراك قبل أسابيع من انطلاق الانتفاضة الثانية والبدء ببناء حائط الفصل بين ما بقي من أراضي السلطة الفلسطينية والأراضي المحتلة خارج الخط الأخضر.
ورغم غياب الكتّاب الفلسطينيين عن «بطاقة الدعوة»، إلا أن كوشنير لم يستطع أمام «حائط السلام» إلا أن يوجه كلمته التي «دسها في الحائط» إلى «أصدقائه الفلسطينين والإسرائيليين»، مذكراً باتفاقات أوسلو وكامب ديفيد وطابا وجنيف، من دون أن ينسى المبادرة العربية والطريق الطويل الباقي للوصول إلى السلام، حتى إن البعض وصف كلمة كوشنير بأنها «بكاء السلام أمام حائط السلام».