«رغيـف الخبز» يهدِّد نظام مبارك القاهرة ـ وائل عبد الفتاح
«الثورة» و«الطوابير»، هما الكلمتان الأكثر تداولاً هذه الأيام في القاهرة. تنتظر التقارير والخبراء «ثورة الجوع» احتجاجاً على أزمة الخبز المتصاعدة في المدن المصرية. تقارير أمنية عُليا وصلت إلى الرئاسة، تحذّر من «غضب كبير» نتيجة السياسات الأخيرة لوزارة التموين، التي تحولّت بعد التعديل الوزاري إلى وزارة التضامن الاجتماعي.
ولم يتغيّر الاسم فقط، إلّا أن الوزير الجديد، المنتمي إلى لجنة السياسات، قرّر أن يكون ملف «رغيف الخبز» ضربته الأولى. ورغم أن هذا الملف، على المستويين السياسي والأمني، من ملفات «الأمن القومي»، إلاّ أنه شعبياً، يسمى «العيش» باعتباره الحياة بالنسبة إلى قطاع واسع من الناسوتعدّ لجنة السياسات مركز القوّة لجمال مبارك، وتمثّل «الفكر الجديد» في الحكم، الذي لا يشمل الاهتمام بالبعد الاجتماعي، الذي أنقذ اهتمام نظام حسني مبارك الأب به من غضب الشعب طوال ٢٧ سنة، رغم تغييرات اجتماعية عنيفة سببتها برامج الإصلاح الاقتصادي.
مبارك، الذي تربّى في دولة «القطاع العام» و«العدالة الاجتماعية»، حوّل السياسة إلى أداة لإنقاذ نظامه، أطلق عليها اسم «البعد الاجتماعي». وهذا ما جعله ينتبه مرتين أخيراً إلى التقارير الأمنية التي وصلته عن خطورة السياسات الجديدة. مرةً حين أرجأ قرار إلغاء الدعم قبل أشهر، بعدما أعلنت الحكومة تطبيق السياسة الجديدة لتوزيع الدعم والتفكير في توزيع بطاقات «ممغنطة» ببدل نقدي للمستحقين فقط، ما كان يعني انفجار الأسعار بشكل يجعل الحياة بالنسبة إلى غالبية المصريين مستحيلة تقريباً. والآن توجد مفاوضات بين الحكومة والعمال لتحديد الحد الأدنى للأجور الذي تريده الحكومة ٤٥٠ جنيهاً (أقل من ١٠٠ دولار)، بينما يرفض العمال أن يقل عن ٨٠٠ جنيه (حوالى ١٥٠ دولاراً).
ويمكن القول إن اهتمام مبارك الأب بأزمة الخبز لم يكن إلا ترحيلاً للمشكلة، إذ إنه، كما قالت الصحف، طلب من رئيس الوزراء أحمد نظيف تقريراً يومياً يرصد المحافظات والأحياء التي تعاني أزمة في الحصول على الخبز بسعر مدعم (خمسة قروش)، وهو الخبز الذي أصبح الحصول عليه بمثابة «معركة يومية»، وسبّب الأسبوع الماضي موت رجل مصري بسبب مناوشات الطوابير الممتدة أمام المخابز، وهو «أول شهيد للخبز في مصر».
والوصول إلى مرحلة الشهداء، هو ما كان وراء اهتمام مبارك الأب وتخوفه من أن يكون هو ونظامه ضحية ثورة خبز شبيهة، كما حدث للرئيس السابق أنور السادات يومي ١٨ و١٩ كانون الثاني عام ١٩٧٧.
هذا الإحساس بالخطر، دفع الرئاسة إلى توفير ٤ مليارات جنيه لحل هذه الأزمة (أقل من مليار دولار تقريباً)، وعلى طريقة اجتماعات الطوارئ في الحروب، وخصوصاً أنه يتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة اجتماعاً لمناقشة الأزمة.
ويلاحظ المراقبون أن استخدام أسلوب «ثورة تموز» خلال علاج أزمات الخبز التي استخدمها مبارك أخيراً، تزامنت مع استعادة أسلوب آخر من أساليب الستينيات، وهو «تأميم السياسة». لكن هذه المرة بقوة الأمن واختراع أساليب تمنع وصول المرشّحين إلى مكاتب الترشيح في انتخابات المحليات المقرّرة في نيسان المقبل.
وهذه خطوة متقدمة هدفت إلى منع مرشحي «الإخوان» المسلمين من منافسة الحزب الوطني الحاكم. والمفارقة أن النظام استخدم أساليب جديدة، تضاف إلى الرفض الإداري والأمني لأوراق المرشحين. ودسّ الحزب الحاكم أعداداً كبيرة كوّنت طوابير طويلة من مرشحين وهميين، عطلت وصول المرشحين الفعليين إلى مقارّ الترشيح.
ورغم هذا، نجح أكثر من ٤ آلاف مرشح «إخواني» من تقديم أوراق الترشح، بينما كانت التظاهرات تملأ شوارع المدن المصرية لحرمان أعداد كبيرة من المرشحين، ما يشير إلى «أزمة ثقة» لدى نخبة القيادة في الحزب الحاكم، و«خوف من فقدان قبضة التحكّم في البلد».