حسن شقرانيعندما توجّه الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أبناء أمّته والعالم بخطابه الأخير عن «حال الاتحاد»، توجّهت الأنظار نحو محورين مهمّين تضمّنتهما كلمته: الرؤية إلى كيفيّة التعامل مع إيران ومقاربة الحكومة الأميركيّة للأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد وتهدّد بركود بانت أعراضه الأولى.
المشترك بين الموضوعين هو أنّهما يثيران تساؤلات عن مقدار الثقة التي يتمتّع بها خطاب البيت الأبيض. فبالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني، تجلّى التضارب في الاختلاف بين حجّة الحكومة وتقديرات مجمع الاستخبارات. وبالنسبة إلى الاقتصاد، كانت المعطيات جميعها تفيد بأنّ البلاد تنحو نحو كساد يهدّد الجانب المالي من العولمة والبورصات الكبرى.
وما قدّمه الرئيس الأميركي في القضيّة الإيرانيّة هو «تهديد» بأنّ الردّ سيكون بالطرق المناسبة إذا تمّ «التعرّض لمصالحنا في الشرق الأوسط»، في مقابل اعتباره أنّ الأزمة الاقتصاديّة التي تمرّ بها الولايات المتّحدة لا تعني أنّ «أسس النظام غير سليمة» بل يجب إبداء الثقة والاستثمار في الولايات المتّحدة.
هامش الثقة الذي كان من الممكن أن يخلقه «حال الاتحاد» ولد ميتاً مع إصرار فارغ تبديه الإدارة الأميركيّة. ويتكرّس يوماً بعد يوم بطرق مثيرة، بل ودراماتيكيّة. فقائد العمليّات العسكريّة في الشرق الأوسط وآسيا، الأدميرال وليام فالون، قدّم استقالته مطلع الأسبوع الجاري على خلفيّة نقاش حام بين مخيّمين داخل الصالونات البيروقراطيّة وغرف القيادة العسكريّة، عن «الاستراتيجيّة التي يجب اتباعها في التعاطي مع طهران». فالون كان من مؤيّدي الحلول السلميّة غير المتسرّعة وجدولة انسحاب كامل من العراق.
من جهة أخرى، كشفت شركة التقويم المالي الأميركيّة، «ستاندارد أند بور»، أوّل من أمس، عن أنّ الخسائر الناتجة من أزمة الرهونات العقاريّة قد تصل إلى 285 مليار دولار. رقم جديد يزيد صعوبة نجاح الخطّة الحكوميّة، بالشق المعنوي في الحدّ الأدنى (مع الاعتبار أنّ النجاح في الجانب التقني غير مرجّح، على اعتبار أنّ الخفوضات الضرائبيّة التي خصّص لها الكونغرس 168 مليار دولار محكومة بـ«تشاؤم المستهلك»).
الإدارة الأميركيّة، من دون شكّ، فقدت الثقة المحليّة وثقة الرأي العام الدولي بها، تدريجاً منذ عام 2003 (عام اجتياح العراق) وممارساتها المستمرّة تزيد في ذلك، وما يُكشف بين الحين والآخر، يسحب، بمفعول رجعي، بساط الثقة أيضاً: استنتاج دراسة البنتاغون أوّل من أمس، عدم وجود أيّ علاقة بين نظام صدّام حسين وتنظيم «القاعدة».
وبين بعض اكتشافات الفترة الأخيرة (ليس متعلّقاً بالإدارة)، هو إثبات تورّط حاكم ولاية نيويورك، إليوت سبيتزر، في فضيحة دعارة: استأجر مومساً اسمها كريستن (وفّرتها له شبكة الدعارة الفخمة «إمبرور كلوب») لساعتين في فندق «مايفلاوور» في واشنطن في مقابل 4300 دولار.
الفضيحة دفعت سبتزر، الذي رُمز إليه باسم «الزبون التاسع» في الشبكة، إلى تقديم استقالته بسبب فقدان الثقة كلياً في طروحاته الأخلاقيّة التي طبّقها بقوّة شفّافة مذ كان مدعياً عاماً في المدينة... خسر الأميركيّون عموماً والنيويوركيّون تحديداً حاكماً كان القانون عنده هو المقدّس، ويتحضّرون لتوديع إدارة طالما كانت «زبوناً تاسعاً» آملين عدم وجود «عقيدة زبائنيّة» في الإدارة المقبلة... وبعودة الثقة.