قد يكون الطلب الذي تقدّم به مدّعي عام محكمة التمييز في تركيا، عبد الرحمن يالتشينكايا، إلى المحكمة الدستوريّة يوم الجمعة الماضي، لحظر نشاط حزب «العدالة والتنمية»، الأوّل من نوعه في التاريخ، من حيث إنّ حزباً حاكماً يواجه احتمال الإقفال، وهو في الحكم. احتمال ضعيف، لكنّه ليس بالمستحيل إذا عرفنا أنّ المحكمة الدستوريّة، خلال 44 عاماً من نشاطها لحماية «القيم العلمانيّة» في البلاد، سبق أن أقفلت 24 حزباً، تتراوح توجّهاتها من أقصى اليسار إلى الطابع الإسلامي. طلب يالتشينكايا إلى المحكمة، جاء مدوّناً في أكثر من 160 صفحة، وستقرّر المحكمة قبول دراسته من عدمها اليوم. وقد طلب الرجل منع 71 قيادياً في الحزب من مزاولة العمل السياسي لفترة 5 سنوات. وهؤلاء القياديون ليسوا سوى معظم وزراء الحكومة الحاليّة، ورئيسها رجب طيّب أردوغان والرئيس عبد الله غول.وتمحورت التهم حول قضيّة رئيسيّة: العمل ضدّ مبادئ العلمانيّة والسعي إلى تثبيت حكم الشريعة في تركيا، مستدلّاً بقيام عدد من رؤساء البلديات بحظر تناول الكحول في بلداتهم مثلاً.
والسبب الموجب في الدعوى، تصريح أردوغان الذي أطلقه في إسبانيا، عندما كان يحاول الدفاع عن إلغاء الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات، وقال فيه: «حتّى إذا كان الحجاب رمزاً سياسياً، يجب إلغاء حظره». من هنا، لا شكّ أنّ القضيّة هي من تداعيات «قضيّة الحجاب».
الخبر أجمعت الصحف التركيّة على وصفه بأنه كان أقرب إلى الصدمة. صدمة لم تقتصر على الأتراك، بل طالت عدداً من النوّاب الأوروبيّين. بعض هؤلاء كانت ردّات فعلهم من نوع: «أمر لا يُصَدَّق»، أو «جنون كامل» وحتّى «أمر مضحك».
أردوغان وحزبه اختارا في المقبل طريق العقل بدل الانفعال. ردّ رئيس الوزراء بهدوئه المعهود على يالتشينكايا، فأخبره أنّ طلبه إلى المحكمة «إهانة للشعب التركي كلّه»، من دون أن ينسى دعوة مناصريه إلى الحفاظ على هذا الهدوء. وألّف الحزب لجنة حقوقيّة للدفاع، إذا قبلت المحكمة الدستوريّة السير بالقضيّة. ويرأس اللجنة، نائب رئيس الوزراء، جميل جيجيك.