فشل مؤتمر «المصالحة» ومجلس الرئاسة يستجيب لتشيني ويقرّ قانون المحافظاتواشنطن ـ محمد سعيد
بغداد ـ الأخبار
يكاد الرئيس الأميركي جورج بوش يكرّر نفسه في كلّ عام، وهو يعدّد «إنجازات» بلاده في مجال «محاربة الإرهاب» عند تقويم مرحلة احتلال العراق. إلا أنّ ما ميّز خطابه، الذي ألقاه فجر أمس بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة للغزو، هو تلميحه إلى رغبة بتعميم نموذج «مجالس الصحوة» التي انقلبت ضدّ تنظيم «القاعدة»، لتشمل الحالة العربيّة بكاملها.
خطاب بوش، الذي ألقاه على وقع التظاهرات العارمة التي عمّت المدن الأميركيّة والتي طالبت بإنهاء الاحتلال، قابلته كلمات المرشحَين الديموقراطيَّين للرئاسة الأميركيّة اللذين تسابقا جرياً على عادتهما، في التعهّد بسحب سريع للقوّات الأميركية في حال وصول أحدهما إلى البيت الأبيضفي هذا الوقت، حاولت الحكومة العراقيّة التخفيف قدر الإمكان من فشل مؤتمر المصالحة الوطنيّة الذي نظّمته في اليومين الماضيين، وشابه غياب كبير لأبرز الفصائل التي لم تشارك في العمليّة السياسيّة، وحتّى للأحزاب المنسحبة من حكومة نوري المالكي، وفي مقدّمها «جبهة التوافق العراقيّة» والتيار الصدري و«القائمة العراقيّة الموحّدة».
وقد تُرجِمَت نتائج الزيارة العراقيّة لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني سريعاً في الوضع الداخلي، إذ لم يكد الرجل يغادر البلاد، حتّى رضخ نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي لطلباته ومفادها تسهيل «تمرير القوانين العالقة في مجال المصالحة الوطنيّة». وسحب مجلس الرئاسة اعتراضه على صيغة قانون المحافظات، الذي صوّت عليه البرلمان منذ أكثر من شهر، وعطّله عبد المهدي بحجّة أنه يشكّل انتقاصاً من نفوذ «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» في مناطق الجنوب.
ورأى بوش، في خطاب ألقاه في وزارة الدفاع الأميركيّة، أنّ بلاده حقّقت «انتصاراً استراتيجياً كبيراً في الحرب العالميّة على الإرهاب»، ووصف نتائج غزو العراق بكلمتين: «كان رائعاً». كما أشار إلى أنّ «ما تحقّق، رغم الخسائر الكبيرة، يتعدّى تغيير الوضع في العراق، ليفتح الباب أمام نصر استراتيجي، لأنّ العراق كان مخطّطاً له أن يكون المكان الذي يجمع فيه «القاعدة» جميع العرب الذين يريدون إخراج أميركا».
وفي حديثه عن «مجالس الصحوة»، أكّد بوش «أنّنا نشهد في العراق أوّل انتفاضة عربيّة واسعة النطاق ضدّ أسامة بن لادن وأيديولوجيّته السوداء وشبكته الإرهابية»، وهو ما يُستَشَفّ منه دعوة إلى توسيع هذه التجربة لتشمل جميع الدول العربيّة حيث تتعرّض فيها الولايات المتّحدة لمقاومة. ورأى بوش أنّ الكلفة الكبيرة للحرب كانت ضروريّة «إذا ما قارنّا ذلك بالثمن الاستراتيجي للنصر فيه». ولم ينسَ التحذير مما دعا إليه باراك أوباما وهيلاري كلينتون، وهو الانسحاب المبكر من العراق، لأنّ ذلك «سيؤدي إلى استعادة «القاعدة» لملاذاته الآمنة في العراق، وسيقوّيه من خلال امتلاكه لبعض المصادر المالية العراقية». وتابع أنّ خسارة الحرب سيكون من نتائجها «تشجيع إيران على تجديد عزمها على إنتاج أسلحة نووية وفرض هيمنتها على الشرق الأوسط».
في هذه الأثناء، فشل المشاركون في المؤتمر الثاني «للمصالحة الوطنية» في بغداد، في التوصّل الى بيان مشترك موسّع، مكتفين ببيان صحافي مقتضَب. بيان حاول تجنّب إظهار الخلافات التي برزت خلال اجتماعات ورش العمل الأربع التي شكّلها المؤتمر، والتي مثّلت تبايناً حادّاً في وجهات النظر إزاء القضايا المطروحة للنقاش. وتمحورت الخلافات حول انسحاب قوّات الاحتلال من العراق، ومستقبل الوجود العسكري الأميركي في ضوء اتفاقية طويلة الأمد.
والبيان الصحافي جاء عامّاً وإنشائيّاً، إذ ركّز على الثوابت التي طالما كرّرتها الحكومة وهي «وحدة العراق أرضاً وشعباً وإدانة الإرهاب بكلّ أشكاله والتكفير وعمليات التهجير والعنف الطائفي».
وكدليل على فشل المؤتمر، لم يذكر البيان ما هي التوصيات التي قال إنها «سيتم عرضها على مجلس النواب والحكومة لمناقشتها ووضعها موضع التطبيق». وجاء في البيان، الذي ألقاه الناطق باسم المؤتمر تحسين الشيخلي، أنّ لجنة متابعة المؤتمر «تبنّت نتائج المؤتمر واستقبال التوصيات التي توصّل إليها المؤتمرون بعد أن فتحت باب الإدلاء بالآراء الإضافية». وأضاف أنّ اللجنة التحضيرية للمؤتمر ستلتزم «من خلال وزارة الدولة للحوار الوطني، برفع هذه التوصيات الى مجلسي النوّاب والوزراء»، من دون تحديد أيّ سقف زمني ولا تحديد للملفّات العالقة.
وعلّل أحد منظّمي المؤتمر فاروق عبد الله، صدور البيان بهذا القدر من الغموض، بالرغبة في «تجنّب التجاذبات السياسيّة التي سادت قاعات اللقاء».
وفي السياق، برز كلام «واقعي» للرئيس العراقي جلال الطالباني في كلمة ألقاها بمناسبة مرور 5 سنوات على احتلال بلاده. واقعيّة عبّر عنها اعترافه بأنّ الوضع العراقي لن يهدأ «إلا بقيام حكومة وحدة وطنية حقيقية تمثل جميع مكونات المجتمع العراقي وبإنجاز مقومات السيادة الوطنية وتحقيق المصالحة الفعلية بين أبناء الشعب العراقي». إلا أنّ «الإنجازات» احتلّت حيّزاً واسعاً من كلمة الرئيس، ومنها «انتخاب العراقيين جمعية وطنية قامت بوضع دستور دائم حظي بموافقة الشعب في استفتاء عام، وأعقبته انتخابات برلمانية جرت كالاقتراعين السابقين، في جو من الحرية والشفافية وأدّت إلى قيام مجلس نيابي انبثقت عنه رئاسة الجمهورية وحكومة تمثل إرادة الناخبين».
إلى ذلك، قرّر مجلس الرئاسة العراقي سحب اعتراضه الذي تقدم به على مشروع قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم. وأكّد بيان صادر عن ديوان رئاسة الجمهورية، أنّ مشروع قانون المحافظات سيرسل إلى وزارة العدل لتقوم بنشره في الجريدة الرسمية. يُذكَر أنّ عبد المهدي كان قد أشار قبل يومين إلى أنّ زيارة تشيني كان من بين أهدافها «الضغط من أجل الإسراع بتمرير قانون المحافظات وقانون النفط».