أرنست خوريحسم حزب «العدالة والتنمية» التركي خياره في كيفيّة مواجهة احتمال حظر نشاطاته ومنع 71 من قادته من مزاولة العمل السياسي، بموجب الطلب الذي تقدّم به مدّعي عام محكمة التمييز، عبد الرحمن يالتشينكايا، يوم الجمعة الماضي.
كان لدى الحزب مجموعة من الخيارات في مواجهة الخطر الأكبر الذي يواجهه منذ 5 سنوات من الحكم. اختار من بينها الخطوة الأجرأ: تسريع عجلة تعديل الدستور وقانون الأحزاب الساري العمل بهما في البلاد، لإتمامهما في غضون الأيّام العشرة المقبلة. تعديل إذا مرّ (ومن شبه المؤكَّد أنه سينال غالبيّة الثلثين في البرلمان)، سيبطل مفعول أي قرار ستتّخذه المحكمة الدستوريّة إزاء طلب المدّعي العام.
ففي خبر انفردت به صحيفة «زمان» المقرّبة من الحزب الحاكم أمس، كشف نائب رئيس الحزب، نهاد إرغن، أنّ قيادته قرّرت بالفعل استباق قرار المحكمة النظر في الدعوى من عدمه، بإجراء تعديل سريع للدستور، «بما أنّ قرار المحكمة الدستوريّة لن يصدر قبل أسبوعين على أقلّ تقدير». القيادي المذكور برّر القرار بأنّه «من المستحيل أن نبقى ببساطة متفرّجين على تدمير اقتصادنا (في إشارة إلى الآثار السلبية التي أدّت إليها القضيّة إزاء الليرة التركية وسعر الأسهم...)».
وفكرة إدخال المزيد من الشروط التعجيزيّة على مواد الدستور التركي، لتعقيد مسألة حظر الأحزاب، ليست بجديدة، فهي مشروع وضعه «العدالة والتنمية» على رأس جدول أعماله منذ فترة طويلة، لكنه كان ينتظر ظروفاً سياسية مؤاتية للسير به. وأمام الهجمة المفاجئة التي مثّلتها قضيّة يالتشينكايا، يبدو أنّ رجب طيّب أردوغان وعبد الله غول وزملاءهما، استوعبوا أنه إمّا يسيرون حالاً في التعديل، أو يكون الزمن سبقهم. صحيح أنّ على حكّام أنقرة التعجيل في خطوتهم، ولكن ليس عليهم التسرّع، لأنّه حتّى لو وافقت المحكمة على قبول طلب يالتشينكايا، فلن يصدر حكمها النهائي قبل 5 أشهر حسب اعتراف رئيس المحكمة حازم كيليش، لصحيفة «الصباح» أوّل من أمس.
التعديل الدستوري، حسب إرغن، سيتضمّن تفاصيل عديدة، جميعها تبطل مفعول أي قرار سلبي من المحكمة الدستوريّة. ومشروع التعديل الذي أُعدّ، سيكون خليطاً من الدستور الألماني والبرتغالي والإيطالي والإسباني. وهي جميعها دساتير تنظّم عمليّة حظر عمل الأحزاب. المبدأ سيكون قائماً على النقاط التالية: سيكون مسموحاً بشكل حصري، محاسبة رئيس الحزب وأعضاء مكتبه السياسي من دون التعرُّض إلى الحزب كهيئة. أمّا احتمال إقفال الحزب، فسيكون محصوراً بتوافر أدلّة «الجرم المشهود»، من نوع أن يصدر الحزب قراراً رسميّاً وموثّقاً باللجوء إلى العنف. وحتّى في حال حُظر الحزب، فالتعديل الجديد سيحرّر مسؤوليه من أيّة تبعات قانونيّة، بمعنى أنّهم لن يُحاكموا حتّى لو صدر حكم الإعدام بحقّ حزبهم.
هذه الآليّة الدستوريّة ستكون قاتلة بالنسبة لعتاة العلمانيّة في البلاد. فهي تُضاف إلى التعديل الذي أُجري عام 2001 على الدستور على الموضوع نفسه. في ذلك العام، التعديل طاول صلاحيّة المحكمة الدستوريّة في إصدار أحكامها تجاه الأحزاب السياسية، إذ أوجب حصول قراراتها إزاء هذا الموضوع على موافقة 7 من قضاتها، بينما كان قبل ذلك يكتفي بموافقة 6 منهم.
بهذه الخطوة، يستعدّ «العدالة والتنمية» لأسوأ السيناريوهات التي ستنطق بها المحكمة الدستوريّة. تشاؤم قرّروا مواجهته بالتحدّي لا بالتحايل كما كان يحصل في السابق. فعندما أمرت المحكمة حظر حزب «الرفاه» ومن بعده «الفضيلة» بتهم هي نفسها تُساق اليوم ضدّ الحزب الحاكم (تحوّل الحزب إلى بؤرة للأفكار المناقضة للعلمانيّة ودولة القانون الوضعي)، قرّر مسؤولو الحزبين حينها تأسيس حزب جديد فوراً، وهو حزب «السعادة» كطريقة التفافيّة. اليوم تغيّرت الظروف، وبات زملاء أردوغان يريدون حلّاً جذريّاً يزيح سيف الحظر من فوق رؤوسهم إلى الأبد. وهو حل لن يأتي إلا بعد تعديل الدستور، وهو المسعى الذي يلاقي تضامناً من حزب الحركة القوميّة التركيّة، ما يعني أنّ 412 نائباً (341 للعدالة و71 للحركة القوميّة) سيكون عدداً كافياً لتمرير التعديل، تماماً كما حصل في التعديل الخاصّ بتخفيف الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات، الذي لا يزال ينتظر بدوره قرار المحكمة الدستوريّة.
إلى ذلك، نُشرَت تفاصيل إضافيّة ومثيرة عن المطالعة التي تقدّم بها يالتنشينكايا. ففي إحدى الصفحات الـ160 للطلب، استدلّ المدّعي العام بما سمّاه سعي الحزب المذكور لفرض حكم الشريعة في البلاد، على كلام سبق أن قاله الوزير السابق للخارجيّة الأميركيّة، كولن باول، خلال مشاركته في قمّة الدول الصناعيّة الثماني في الولايات المتّحدة، حين رفض وصف تركيا بأنها «دولة علمانيّة»، مفضلاً عليها توصيف «جمهوريّة إسلاميّة معتدلة».