ليس معروفاً إن كان إنشاء الاحتلال الأميركي قاعدة عسكريّة ضخمة، جنوبي بغداد، في موقع مطار الصويرة العسكري، قد حظي بموافقة الحكومة العراقيّة أو لا، وخاصة مع تباين وجهات نظر المتابعين السياسيّين والعسكريّين في الهدف من تشييدها الذي بدأ منذ 15 من الشهر الجاريزيد الزبيديتكتسب منطقة الصويرة أهميّة استراتيجيّة كبرى؛ فالمطار العسكري السابق فيها، يتبع لقضاء الصويرة، في محافظة واسط، ويبعد حوالى 55 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من بغداد، كما يبعد أقلّ من 100 كيلومتر عن الحدود الإيرانيّة. ورأى البعض أنّ الإسراع في إنشاء قاعدة في هذه المنطقة، إنما يأتي ضمن التحضير لتوجيه ضربة إلى إيران، ولا سيّما أنّ هذه المنشأة تضمّ مطاراً عسكرياً كان الرئيس السابق صدام حسين قد أقامه إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980ـ 1988).
في المقابل، يرى كثُر أنّ الهدف من إقامة هذه القاعدة هو إحكام الطوق الأميركي حول العاصمة العراقية، استراتيجياً، من ضمن «فلسفة» اتفاقية البقاء طويل الأمد التي تنوي واشنطن وبغداد توقيعها.
ومن أبرز ما يدلّ على الأهمية العسكرية للمنطقة، هو الوصف الذي أطلقه عليها صدّام حسين عندما قال إنها «خاصرة بغداد» الجنوبية، فيما كان يصف معسكر التاجي بأنّه «الدرع الشمالي» للعاصمة، وهو الآن من أهم القواعد الأميركية في بلاد الرافدين.
وما بين الرأيين، يرجّح مراقبون ازدواجية الهدف للقاعدة الجديدة، بين التهيئة لضرب إيران، وإحكام تطويق بغداد، حسبما تقتضيه الاتفاقية طويلة الأمد.
وقد كشف الجيش الأميركي في مناسبات متفرّقة عن أنّ الجنود الأميركيّين يحاولون الآن إقامة «وجود أمني هائل» قرب منطقة الصويرة.
وبحسب مصادر صحافيّة، فإنّ قوّات الاحتلال اختارت موقع مطار الصويرة العسكري القديم، لإقامة قاعدة عسكرية، هي الأضخم في وسط البلاد، على موقع استراتيجي، يرتبط بشبكة طرق تمتدّ من بغداد إلى النعمانية والكوت جنوباً، مروراً بمناطق المدائن والمزرعة والعزيزية والزبيدية على جانبي نهر دجلة، بينما يمتدّ طريق الزبيدية إلى الحي والعمارة جنوب الكوت.
والمنطقة بقيت على مرّ العهود فائقة الأهميّة، حتّى إنّ القوّات العثمانية كانت تقيم على بعد 40 كيلومتراً من الموقع الجديد معسكراً ضخماً في منطقة المدائن، يغطّي ما كان يُسمَّى «المثلّث التركي»، ويشمل إلى حدٍّ ما المناطق التي أطلقت عليها بعد الاحتلال تسمية «المثلَّث السنّي» أو «مثلَّث الموت».
وتسيطر القاعدة الجديدة من جهة الغرب على مناطق المحمودية واليوسفية والمناطق الأخرى في جنوب غرب بغداد، وصولاً إلى الطريق الجنوبي لطريق مطار بغداد الدولي، وإلى الطرق المؤدّية إلى الفلوجة ومحافظة الأنبار.
وذكر الجيش الأميركي على موقعه الإلكتروني أنّ جنوده «بدأوا في تشييد قاعدة للدوريات باسم قاعدة الصيف منذ يوم 15 آذار الجاري، وسط ركام في قاعدة سابقة للقوّات الجوية العراقيّة»، أي مطار الصويرة العسكري. كما جاء في البيان العسكري نفسه: «تحرّك الجنود من فرقة المشاة الثالثة، في قافلة ضخمة من المركبات القتاليّة والجرّارات والمقطورات، في اتجاه نهر دجلة، انطلاقاً من قاعدة كالسو للعمليات المتقدّمة في العراق».
وتقع قاعدة «كالسو» في جنوبي غربي بغداد، على الطريق بين الحمودية وبابل، وتبعد حوالى 40 كيلومتراً عن القاعدة الجديدة، التي ستغطّي مساحة أوسع بالاتجاه الجنوبي الشرقي.
وفي السياق، نقل البيان الإلكتروني للجيش الأميركي عن النقيب جيمس براوننغ قوله: «لقد أُصيبَ سكّان المنطقة بالذهول لرؤية هذا العدد الهائل من قوّاتنا تصل بهذا الشكل المفاجئ إلى المنطقة». وتابع أنّه «في جزء من عملية تأمين منطقة قاعدة الدورية، قام الجنود من قوات الفصيل الأحمر في المجموعة (أ)، بالتعاون مع جنود من الجيش العراقي، بالتجوّل في القرية المجاورة ومصافحة وتحية جيرانهم الجدد من السكان المحليين، وشرب الشاي معهم». وأضاف أنه اتُّخذَت إجراءات احترازيّة، إذ «قام جنود من قوّات الفصيل الأحمر، ومن القوات العراقية، بتسجيل أسماء وعدد الأسلحة الشخصية التي يمتلكها السكّان المحلّيون».
وكان لاحتلال مطار الصويرة قيمة رئيسيّة خلال غزو البلاد عام 2003. فالقوّات الغازية سلكت طريق «مطار الصويرة»، في الضفّة الغربيّة من نهر دجلة، وتحرّكت في اتجاهين: الأوّل عبر جسر النعمانيّة نحو الضفّة الشرقيّة، لقطع طريق بغداد ـ الكوت، والثاني نحو الجنوب لقطع طريق الكوت ـ العمارة، حيث كانت تتمركز القوات المتقدمة من الكويت. هكذا كان «معبر» مطار الصويرة، نقطة استراتيجية في حسابات قيادة الجيش العراقي السابق، تمكنت القوات الأميركية، باختراقها، من السيطرة على الحزام الأمني الجنوبي لبغداد.
وباختيار منطقة مطار الصويرة القديم قاعدة للقوات الأميركية في المنطقة، تكون قد «أمسكت» المنطقة الممتدّة من جنوب شرق بغداد إلى جنوب غربها، حتى منطقة ديالى شرقاً، بينما القاعدة الحالية «كالسو» محدودة الانتشار في الجنوب الغربي فقط.
حتّى أنّ براوننغ عبّر عن القيمة الفائقة التي تعيرها قيادته إلى المنطقة، فأشار إلى أنه «من الناحية التكتيكية هذا المكان هو مفتاح السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من المناطق».
وليس معروفاً إذا ما كانت قاعدة «كالسو»، التي تشغل حالياً مباني شركة تصنيع السيارات «سكانيا»، ستبقى مركزاً للقوات الأميركية في المنطقة أو لا. فرغم أهميّة الموقع الذي تشغله، فهو غالباً ما يتعرّض للهجمات الصاروخية.
ومع ما يميّز الموقع الذي اختير للقاعدة الجديدة، لكون محيطه ذا أرض منبسطة، بحكم كونه مطاراً سابقاً، فليس معروفاً إذا ما سيكون في منأى من الهجمات، التي يمكن أن تُشَنّ عليه من بين الطرق المتشابكة التي تحيط به.