strong>المالكي يطلق «صولة الفرسان» والصدر يردّ بـ«المصحف وغصن الزيتون» وبرلمانيّوه يهدّدون بحجب الثقة عن الحكومةبغداد ـ الأخبار
بات واضحاً أنّ الاحتلال الأميركي في العراق اتّعظ من التجربة المرّة التي عاشها في معارك النجف التي وضعته، في عام 2004، في مواجهة أنصار التيّار الصدري، ففضّل هذه المرّة وضع القوّات الحكوميّة العراقيّة في صدارة المواجهات مع إحدى أقوى الميليشيات في بلاد الرافدين.
الساحة العراقيّة في الأمس كرّست ذروة التوتّر الذي ساد في الأسابيع الأخيرة بين القوّات الحكوميّة وأنصار الصدر. توتّر نتج عن خطط حكومة نوري المالكي «فرض القانون» في كامل الأراضي العراقيّة، وهو ما تُرجم حملة واسعة من الاعتقالات والتصفيات بحقّ أنصار الصدر، في خطوة فسّرها العديد من الصدريّين بأنها جاءت بمثابة «عقاب» على القرار الذي اتّخذه الزعيم الشيعي بتجديد تجميد نشاطات «جيش المهدي»، فقرّروا ردّ الاعتبار بأيديهم، ما فجّر حرباً أهليّة حقيقيّة في مدن ومحافظات البصرة ومدينة الصدر والعمارة والناصريّة والحلّة والكوت والنجف وميسان والمثنى...
وبدا الاختلاف الصدري في التعاطي مع المعارك، التي أودت بحياة أكثر من 30 قتيلاً، واضحاً؛ فمن جهة، سعى الصدر من خلال المقرّبين منه إلى تهدئة شارعه الذي يشعر منذ فترة طويلة بأنّ حملة للقضاء على وجوده تتسارع وتيرتها لمصلحة غريمه، «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق»، وجناحه العسكري، «منظّمة بدر»، من دون أن ينجو حزب «الدعوة الإسلاميّة» من تبعات كون المالكي يرأسه، فأُحرقت بعض مقارّه وتعرّض أنصاره لأعمال عنف انتقاميّة.
لكن من المؤشّرات البارزة لأحداث الأمس، أنّه بدا كأنّ الكلمة الأقوى لا تزال بيد عسكر التيار الصدري، لا ساسته. ففي حين كان مقتدى الصدر يدعو إلى مواجهة حملة الحكومة بـ«المصافح وأغصان الزيتون»، قال الشارع كلمته وفجّر غضبه قتلاً وحرقاً في ثاني أيّام «العصيان المدني» الذي عمّ المحافظات الجنوبيّة وأحياء العاصمة الشرقية.
جواب الشارع جاء أيضاً ردّاً على تحذيرات الحكومة من الاستمرار بالعصيان، لأنها ستواجهه بموجب قانون «مكافحة الإرهاب». التحذيرات والدعوات جميعها لم تحل دون رسم مشهد احتراب شيعي ـ شيعي عمّ جميع المدن التي تقطنها غالبيات شيعية. احتراب قد ينتهي في أسوأ سيناريوهاته، بوضع الصدر في إحراج كبير، ومن يدري، قد يدفعه إلى إلغاء حظر تجميد «جيش المهدي» بما أنّ الصورة باتت تؤشّر إلى أنّ الزعيم يتحوّل مع الوقت إلى ضابط من دون جنود، بما أنّ جميع أوامره السلميّة، تُضرَب بعرض الحائط، وتفسيراتها تندرج دائماً في خانة القتال.
ومن غير المعروف ما إذا كان تلويح الصدر، الذي ألقى بيانه مساعده حازم الأعرجي، بالسير بـ«الخيار الثالث» (بعد خيار العصيان وتوسيع دائرته) «في حال عدم تنفيذ المطالب الثلاثة»، هو تحذير بالولوج في الخيار الحربي أو لا. والمطالب الثلاثة هي: وقف الملاحقات والمداهمات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية ضدّ أنصاره وإطلاق سراح المعتقلين منهم وتقديم اعتذار رسمي عمّا وصفها بتجاوزات وانتهاكات الأجهزة الأمنية ضدّهم.
أيضاً من الأمور التي برز أنّ المالكي استفاد واستخلص الدروس منها، هي التسميات الاستعراضيّة التي درجت قوّات الاحتلال على إطلاقها في حملاتها ضدّ «القاعدة» وكل من تسمّيهم بالمخرّبين. فمن البصرة، أطلق رئيس الوزراء، بصفته قائداً أعلى للقوّات المسلّحة، «صولة الفرسان» ضدّ «الخارجين عن القانون».
يوم الاحتراب الأهلي برزت أبهى تجلياته في البصرة حيث أدار المالكي المعارك «شخصياً» حسبما كشفت عنه بيانات الحكومة. وبدت ثاني أكبر مدينة عراقية، ساحة حرب، فانتشرت الجثث على الطرقات واستُخدمت كل أنواع الأسلحة.
وككرة الثلج، عمّت أعمال العنف مختلف مناطق الوسط والجنوب، ما أدّى إلى فرض حظر تجوّل على معظم هذه المناطق. حتّى إنّ عدداً من المدن الكبيرة سقطت عسكرياً بيد أنصار الصدر، كما حصل في الكوت جنوبي العاصمة.
وعلى الصعيد السياسي، كانت خطوات الصدريّين لا تقلّ حساسيّة عن الخطوات الميدانيّة التي تمثّلت بتحدّي حكومة المالكي، التي «أمرت» بوقف فوري لـ«العصيان المدني» الذي بدأ أوّل من أمس في مدينة الصدر. «العصيان» تمدّد إلى جميع المناطق حيث يملك الصدريون حيثية شعبية. وأكثر من ذلك، اتّخذت قيادة التيار عدداً من القرارات أبرزها: أولاً تعليق مشاركة الكتلة في اجتماعات مجلس النوّاب (30 نائباً)، وهو القرار الذي كشف عنه رئيس الكتلة الصدرية نصار الربيعي. وثانياً قرار السير بحجب الثقة عن الحكومة. علماً بأنّ وزارة المالكي فقدت منذ فترة غالبيتها البرلمانية بعد الانشقاقات التي ضربت صفوف «الائتلاف العراقي الموحّد» الحاكم، لكنّ الكتلة الصدرية بقيت رافضة بشكل قاطع، ورغم انسحاب وزرائها الخمسة من فريق عمل المالكي، إسقاطها.
وفي مؤتمر صحافي عقده في قصر المؤتمرات في المنطقة الخضراء، رأى الربيعي أنّ «الأحداث التي شهدتها البلاد «نابعة من الجماهير وليست بتوجيه من التيار الصدري». وكرّر التزام تياره بقرار تجميد أنشطة «جيش المهدي»، محذّراً في الوقت نفسه ممّا وصفه بـ«انفجار جماهيري واسع إذا ما استمرت الانتهاكات التي تمارسها أجهزة الحكومة ضد أبناء التيار الصدري».