طوني صغبينيمنذ تحليق الصواريخ الصينية «المحتجّة» على نتائج الانتخابات الرئاسية في فضاء تايوان في عام 1996، اعتاد العالم أن يحبس أنفاسه عند كل حدث انتخابي يهدد بتغيير الوجهة السياسية في الجزيرة المنشقة.
مشهد الصواريخ كان يمكن أن يتكرر بصورة أكثر مأسوية في الانتخابات الأخيرة، لولا رفض الرأي العام التايواني لخطة الرئيس تشين شوي بيان الاستقلالية، التي بلغت ذروتها في استفتاء الانضمام إلى الأمم المتحدة المتزامن مع الانتخابات.
فشل الاستفتاء. رفض التايوانيون «الدولة المستقلة». عاقب أهل الجزيرة سياسة «حافة الهاوية» لتشين بإبعاد حزبه التقدمي الديموقراطي عن الرئاسة وإعادة الوطنيين «الكيومنتانغ» إلى رأس السلطة.
الستاتوكو تم إنقاذه، وجُنّبت آسيا تدهوراً محتملاً ذا انعكاسات عالمية. لكن الوضعية القديمة، قد يكون لها هذه المرة نتائج مختلفة كلياً، بعدما نضجت الظروف لتوقيع اتفاق سلام غير مسبوق بين طرفي مضيق فورموزا، يرتكز الجزء الأكبر منه على نفي مزدوج: لا استقلال، لا وحدة.
خيار «الوحدة» هو اليوم أبعد من أي وقت مضى، للأسباب نفسها التي فرّقت البلدين في الماضي؛ اختلافات سياسية وتاريخية ودولية يصعب إعادة جمعها في قالب واحد، فضلاً عن حدة رفض الرأي العام التايواني، الذي يكنّ العداء الشديد للحكم الشيوعي في بكين.
أما «رفض الاستقلال» فهو أتى كتتويج عكسي لمسيرة ثماني سنوات من حكم تشين، الذي اعتمد سياسة «مواجهة» مع الصين، مشكّلاً بذلك قطيعة مع نصف قرن من سياسات الحزب الوطني «الكيومنتانغ»، والتي اتسمت بالواقعية عند التعامل مع البرّ الرئيسي.
منذ تسلمه السلطة عام 2000، بدأ تشين محاولة قطع كل الروابط مع البرّ الرئيسي، بدءاً من وضع العراقيل القانونية أمام الاستثمار التايواني في الصين، وصولاً إلى محو اسم الصين نفسه من تراث الجزيرة واستبداله بـ«تايوان». وقد بلغ مناصروه حدّ القول «بالأمة التايوانية» ذات الخصائص الثقافية المتمايزة عن الصين.
الشعار السياسي العريض كان تحويل تايوان إلى «دولة طبيعية»، مستقلة، عضو في الأمم المتحدة، أي ما هو فعلاً بمثابة إعلان حرب على الصين.
لكن نتائج مواجهة بكين، كانت كارثية على الاقتصاد التايواني، حيث هربت الرساميل (أكثر من 150 مليار دولار في العقدين الماضيين) من الجزيرة إلى المناطق الصناعية المزدهرة على الساحل الصيني الشرقي، ولجأ التايوانيون إلى البر الرئيسي لتحصيل قوتهم (نحو 4.3 في المئة من سكان تايوان يعملون أو يعيشون في الصين).
لم يطل الأمر حتى ارتدّت سياسة الحزب الديموقراطي عليه، وتلقى الصفعة الأولى في كانون الثاني الماضي، بفقدانه غالبية النواب في المجلس التشريعي. وتوّج التايوانيون عقابهم للديموقراطي بإعادة رئاسة الدولة والحكومة إلى الكيومنتانغ ورفض الانضمام إلى الأمم المتحدة في الاستفتاء الأخير.
تثبيت أقدام الكيومنتانغ في السلطة، وفق برنامج الرئيس الجديد ما ينغ جيو، الذي يشكل هدف توثيق العلاقات مع الصين الحجر الأساس فيه، سيدفع دون شك عملية السلام إلى الأمام. عملية تدعمها قناعة الطرفين «بأن السياسة القديمة التي ينكر فيها كل طرف حق الآخر في الوجود أصبحت من الماضي»، وفق تعبير ما نفسه.
رغم ذلك، يبقى الاعتراف المتبادل بعيد المنال، في ظلّ عثرات أمام السلام؛ إذ لا يزال الطرفان رافضين كلياً لفكرة تحديد كمية ونوع الأسلحة على جانبي المضيق، أو جعله منطقة خالية من السلاح. يضاف إلى ذلك التوسّع العسكري الصيني، الذي يقلق الولايات المتحدة ودول آسيا الشرقية، ولا سيما بسبب «غموض النوايا والهدف» الذي تشيعه بكين بهذا الشأن، بحسب تعبير تقارير وزارة الدفاع الأميركية.
أما العائق الأهم في هذا المجال، فهو إشكالية «الاعتراف بالانفصال» لدى بكين، التي قد ترتب على النظام الشيوعي مضاعفات خطيرة جداً داخل البرّ الرئيسي، في منغوليا والتيبيت وسيشوان وكسينغيانغ وحتى في مركز الدولة في مدن الساحل الشرقي.
الرهان في اتفاق السلام مع تايوان، هو مرتبط أكثر من أي وقت مضى بقدرة بكين على إبداء مرونة نحو مبدأ «الصين الواحدة» الأساسي في سياستها الداخلية. فهل كانت أحداث التيبيت الأخيرة مؤشراً في هذا المجال؟