بوش يتمسّك بالمشاركة... والدالاي لاما يجدِّد التهديد بترك منصبه بسّام الطيارةجدّد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، عرضه التوسط بين الدالاي لاما وبكين، إثر أحداث العنف الأخيرة، التي أوقعت ما يزيد على 140 قتيلاً بحسب بيان لحكومة التيبت في المنفى.
ودعا ساركوزي، في رسالة إلى نظيره الصيني هو جنتاو، بكين إلى «ضبط النفس» في تعاملها مع الاحتجاجات على الحكم الصيني في التيبت. وأعرب عن أمله استئناف الحوار بين السلطات الصينية وممثلي الزعيم البوذي بسرعة كي يسمح «لجميع سكان التيبت بالقدرة على التعبير عن ثقافتهم وهويتهم الروحية».
وعن إمكان مقاطعة الألعاب الأولمبية، قال ساركوزي، للصحافيين: «إن كل الخيارات مفتوحة، لكني أدعو القادة الصينيين إلى التحلي بحس المسؤولية». وأضاف: «أرغب في أن يبدأ الحوار، وستكون (طبيعة) ردي تبعاً للرد الذي ستعطيه السلطات الصينية».
وأشارت المتحدثة باسم الإليزيه، باسكال أندرياني، إلى أن تصريحات الرئيس عنت الافتتاح فقط، لا الألعاب برمتها. وأكدت أن «التيبت جزء لا يتجزأ من الصين».
أما الوزيرة الفرنسية المنتدبة لحقوق الإنسان، راما ياد، فشددت على أن «أبواب بلادنا مفتوحة دائماً» أمام الدالاي لاما، مؤكدة أنها مستعدة لاستقباله «من دون تحفظ» في أي زيارة مستقبلية. وأضافت أنه «خلافاً لما تحاول المعارضة (الفرنسية) تسريبه، إن رئيس الجمهورية لم يضع راية حقوق الإنسان في جيبه لأسباب تجارية. أعتقد أن رده أتى في مستوى التوقعات».
في المقابل، قالت الناطقة باسم الرئيس الأميركي جورج بوش، دانا بيرينو، رداً على سؤال عمّا إذا كان سيد البيت الأبيض سيعيد النظر في حضور الأولمبياد بعد تصريحات ساركوزي: «كلا، بحسب آخر مرة تحققت فيها من الموضوع معه. موقفنا لا يزال أن الألعاب الأولمبية هي فرصة للرياضيين العالميين كي يلتقوا ويثبتوا قدراتهم». وأضافت أن «العلاقات الجيدة» بين بوش ونظيره الصيني تسمح له بالتطرق معه «بصراحة شديدة إلى مخاوفنا بخصوص حقوق الإنسان».
وتأتي تصريحات المسؤولين الأميركيين والفرنسيين بشأن الأولمبياد في ظلّ جدل حاد يدور حول «أخلاقية التعامل السياسي» بين الدول إثر مواقف الدول الغربية «الخجولة» من القمع الصيني للاحتجاجات التيبتية بالقوة.
وأحبطت الأحداث الأخيرة الآمال التي علقتها المنظمات والجمعيات الغربية الناشطة في حقوق الإنسان، على إيقاف سياسة الكيل بمكيالين أو «مبادئ الديموقراطية في الداخل والعنف النيوكولونيالي في الخارج». واصطدمت هذه المنظمات، التي طالبت دولها بمقاطعة الألعاب الأولمبية، بالحكومات التي التزمت الصمت خوفاً من خسارة أسواق الصين الكبرى. ويخشى أن حقوق الإنسان أصبحت في الدرك الأخير في السياسة الخارجية، حيث يشار في هذا المجال إلى تنافس الولايات المتحدة وفرنسا على بيع المفاعلات النووية في شتى أنحاء العالم.
ويذكر المراقبون أنه ما إن أصدر البرلمان الأوروبي قراراً ينتقد سجل مصر في حقوق الإنسان، سارعت الأخيرة إلى طرح مناقصة لبناء مفاعل نووي شهدت تنافساً روسياً أميركياً فرنسياً. كذلك يذكر المراقبون الصفقة الأميركية ـ السعودية التي اشترت الأخيرة بموجبها 72 طائرة «تايفون» بحجة مكافحة الإرهاب، فيما كان الحديث وراء الكواليس يدور عن «وجوب استيعاب الطفرة المالية لدى الدول المصدرة للنفط الناتجة من ارتفاع أسعار» الذهب الأسود.
في هذا الوقت، جدد الدالاي لاما تهديده بالتخلي عن منصبه كزعيم روحي للبوذية التيبتية «إذا تواصلت التظاهرات العنيفة». وأكد أنه «إذا استخدم المتظاهرون وسائل عنيفة، سواء في الصين أو في الخارج، فأنا أعارض الأمر بالكامل». وفيما نفى علاقته بالأحداث الأخيرة، أكد أنه «لطالما احترمت الصينيين... والشيوعية الصينية»، موضحاً أن «أغلبية المتظاهرين التيبتيين في الواقع شيوعيون أيديولوجياً».
ووصفت بكين الحادثة التي وقعت الثلاثاء أثناء حفل إطلاق الشعلة الأولمبية في اليونان بأنها «مخجلة». وكان ناشطون فرنسيون نجحوا في رفع لافتة مؤيدة للتيبت وإطلاق الهتافات قرب المنصة ما إن بدأ المسؤول الصيني في لجنة تنظيم الألعاب ليو هي بإلقاء كلمته، في حادثة نقلتها تلفزيونات العالم أجمع.
ومنذ بدء التظاهرات الأولى في لاسا في العاشر من الشهر الجاري، سقط 20 قتيلاً بحسب الحصيلة الرسمية التي أعلنتها بكين، منهم 18 مدنياً وشرطيين، سقط أحدهما أول من أمس في جنوب غرب الصين. غير أن حكومة التيبت في المنفى أعلنت أن نحو 140 شخصاً قتلوا نتيجة قمع السلطات الصينية للتظاهرات في التيبت.