بغداد ـ الأخباربعد ثلاثة أيّام على إطلاق حملة «صولة الفرسان» ضدّ عناصر «جيش المهدي»، بدت حكومة نوري المالكي أمس، مصرّة على استكمال العمليّة العسكريّة «حتّى النهاية» رغم ما أوقعته من خسائر بشريّة. وهو موقف نوّه به الرئيس الأميركي، جورج بوش باعتباره أنّ المواجهات في البصرة والكوت ومناطق عديدة أخرى، تمثّل «لحظة إيجابيّة جداً» في سيادة العراقأعلن رئيس الوزراء العراقي، أمس، المضيّ قدماً في العملية العسكريّة التي يشرف عليها في البصرة، رافضاً في الوقت ذاته التفاوض والحوار مع «العصابات الإجرامية». وقال خلال استقباله وفداً عشائرياً إنّ «الدولة هي الحاكمة لا غيرها وهي قادرة على مواجهة أيّ قوة. عقدنا العزم على التصدّي للعصابات الإجرامية ولا تراجع ولا تفاوض ولا تنازل»، غير أنّه لم يحدّد بالاسم هويّة الجهات التي قصدها في حديثه.
وشدّد المالكي على أنّ البصرة، المدينة الجنوبية الغنيّة بالنفط، «عانت فقدان الأمن وقتل الأبرياء، وجئنا تلبية لدعوة المواطنين ولتأدية واجبنا الوطني في إنقاذها من العصابات التي نهبت الثروة الوطنية وأرادت تحويل المدينة إلى مركز للصراعات». وأشاد بـ«النجاحات الكبيرة التي تحققت بفضل الموقف الوطني المشرّف لأبناء العشائر».
وفي السياق، أعلن جورج بوش أنّ على «النظامين الإيراني والسوري التوقف عن دعم العنف والإرهاب في العراق». واتهم في خطاب ألقاه في دايتون في ولاية أوهايو، إيران بتسليح وتدريب وتمويل عدد من المسلّحين الشيعة الذين يحاربهم الجيش العراقي حالياً. وقال إنّ الدول الأخرى المجاورة للعراق «يمكنها القيام بأكثر من ذلك» مثل إرسال سفير إلى بغداد، كما فعلت البحرين.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الأميركي، في لقاء مع عدد من وسائل الإعلام الأجنبيّة إنّ المعارك الدائرة في البصرة تمثّل «لحظة إيجابيّة جداً في تطوّر أمّة تتمتع بالسيادة وتعتزم السيطرة على عناصر خارجين عن القانون». وأضاف: «نحن نساعد العراقيّين لكن من المهم أن تعرفوا أنّهم هم الذين يقودون العمليّة».
وبعدما قضى أكثر من 130 شخصاً خلال يومين من المواجهات، أشار مسؤولون في التيار الصدري إلى اتصالات جارية مع الحكومة لمعالجة «الأوضاع في البصرة». وأوضحت النائب، لقاء آل ياسين، أنّ «النائب علي الأديب يجري اتصالات مع رئيس الهيئة السياسية للتيار، لواء سميسم، من أجل التهدئة. والمحادثات تجري ضمن إطار جهد حكومي يؤدّي إلى مفاوضات لمعالجة الأوضاع في البصرة».
في هذا الوقت، خرج عشرات الآلاف من أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مسيرة في بغداد احتجاجاً على الحملة العسكريّة ضدّ «جيش المهدي». وفي مدينة الصدر، تجمّعت حشود من الغاضبين وردّدت هتافات مناهضة للحكومة ومطالبة باستقالة المالكي.
وحاصرت قوّات حكوميّة وأخرى تابعة للاحتلال الحي الذي يقطنه نحو مليوني نسمة فعلياً، وقال أحد السكان لوكالة «فرانس برس»، «نحن محاصرون في منازلنا دون ماء أو كهرباء منذ الأمس. لا يمكن أطفالنا الاستحمام ولا يمكننا غسل ملابسنا». ونُظّمت تظاهرات حاشدة كذلك في أحياء الكاظمية والشعلة، مثّلت إحدى أكبر التظاهرات المناهضة للحكومة.
وقد تجدّد القتال في البصرة لليوم الثالث. وقال مراسل وكالة «رويترز» إنّ القوّات العراقيّة طوقت سبعة أحياء لكن تصدّت لها ميليشيا «جيش المهدي» من داخل هذه الأحياء. وحلّقت المروحيّات في المنطقة.
ووصف النائب فلاح حسن شنشل، عن الكتلة الصدريّة، العمليّات العسكريّة بأنّها «تُشبه ما قام به رئيس النظام السابق (صدّام حسين) بقمعه الانتفاضة الشعبانيّة في تسعينات القرن الماضي»، فيما شدّد القيادي في «التحالف الشيعي الموّحد»، سامي العسكري، على أنّ العمليّة العسكريّة الجارية ليست موجّهة ضدّ التيّار الصدري إنّما تستهدف «العصابات المجرمة».
وفي ردود الفعل، أعربت روسيا عن قلقها إزاء تصاعد التوتر في العراق. ونقلت وكالة «إيتار تاس» عن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ميخائيل كامنين قوله إنّ «موسكو ترى أنّ الأزمة في العراق يمكن تسويتها فقط من خلال حوار شامل، والبحث عن تسويات والتوصّل إلى مصالحة وطنيّة حقيقية ووفاق بين المجموعات العرقيّة والطوائف في البلاد».
وفي السياق، فجّر مسلّحون أحد خطي أنابيب رئيسيّين لتصدير النفط من البصرة، ما أوقف ثلث الصادرات من المدينة وهي مصدر 80 في المئة من إيرادات الحكومة. وارتفع سعر الخام الأميركي بأكثر من دولار إلى نحو 107 دولارات للبرميل بعد الانفجار.
وامتدت الاشتباكات في اليومين الماضيين إلى مدن الكوت والحلّة والديوانيّة والعمارة وكربلاء في الجنوب، فضلاً عن الأحياء الشيعيّة في بغداد. وقال قائد شرطة واسط، اللواء عبد الحنين الأمارة، إنّ 44 قتلوا وجرح 75 آخرين في اشتباكات هناك. وسقط العديد من الضحايا في غارة أميركيّة فوق الكوت، عاصمة المحافظة.
وفي السياق، كشف مصدر في قيادة «صولة الفرسان»، في حديث لـ «الأخبار»، النقاب عن قيام وزير الداخلية جواد البولاني، الموجود حالياً في البصرة، بعزل 10 من منتسبي الشرطة من الضباط والرتب وإحالتهم على القضاء «لتخاذلهم في أداء الواجب».
ميدانياً أيضاً، اختطف مسلّحون الناطق المدني باسم «خطة فرض القانون» في بغداد، تحسين الشيخلي، من منزله في حي الأمين جنوب شرقي بغداد. كما أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، «أف بي آي»، العثور على جثث ثلاث ضحايا بينهم موظّفان في أجهزة الأمن الأميركية كانا خطفا في تشرين الثاني من عام 2006.
وأفاد الجيش الأميركي أنّ اثنين من جنوده توفّيا متأثّرين بجروح أصيبا بها في معارك لم يحدّد مكانها، بينما أعلن الجيش البريطاني أنّ أحد جنوده قضى متأثّراً هو الآخر، بجروح أصيب بها.