شهيرة سلومإسلام آباد وواشنطن تشجّعان المعتدلين على الانخراط في العمليّة السياسيّةالحقل الأفضل لاختبار هذا الصراع هو المنطقة القبلية الشمالية الغربية الباكستانية المحاذية لأفغانستان، حيث تتعدّد الحركات الإسلامية الموالية لـ«القاعدة» و«طالبان» وزعاماتها المسلّحة. ويمثل الخط المعتدل في «طالبان» أشخاص كزعيم حركة الأئمة الإسلاميين فضل الرحمن، يصوّره أحد المتشددين على أنّه هارب باع الحركة، يحاول أن يفصل نفسه عن الجيل الجديد لـ «طالبان».
وقد اكتشفت المخابرات الباكستانية منذ أشهر لائحة أعدتها «طالبان» لتصفية مجموعة أسماء من ضمنهم فضل الرحمن. ويقول صديق فضل الرحمن، عبد الحكيم أكبري، «القوات الدينية منقسمة الآن بشكل كبير». ويضيف «المسلّحون لا يحترمون أحداً ولا يصغون حتى بعضهم إلى بعض، ففضل الرحمن معتدل ويريد الحوار، فيما يجده مقاتلو طالبان عقبة أمام طموحاتهم».
لقد استطاع الكاتب نيكولاس شيميديل أن يدخل منطقة القبائل ويختلط مع عناصر «طالبان»، في منطقة الكيوتا الشمالية الغربية. وكتب في صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً بعنوان «جيل جديد من طالبان» دفع الحكومة الباكستانية إلى طرده، إلّا أنّه تمكّن من لقاء زعامات خطيرة في «طالبان» و«القاعدة».
يقول شيميديل عن فضل الرحمن إنه اعتاد أن ينادي عناصر طالبان بـ«أبنائنا». ورغم خوفه من المتشدّدين الغاضبين بعدما أطلقوا صاروخاً على منزله يبقون «صبيانه». قال فضل الرحمن «لقد ذهبوا إلى التطرّف بسبب السياسات الأميركية، وأنا أحاول أن أُعيدهم إلى الصواب، فالخلاف ليس على سبب وجود المجاهدين، وإنما على الأولويات والوسائل»، وفيما هم يفضلون القتال، يفضل المعتدلون أنصار رحمن السياسة.
وكشف فضل الرحمن لشيميديل أنّه «في أيلول الماضي اجتمع مع السفيرة الأميركية لدى باكستان، آن باترسون، التي طلبت منه حينها أن يعمل على إنشاء تحالف بين زعيمة حزب الشعب الراحلة بنازير بوتو والرئيس برويز مشرّف».
المعتدلون المتدينون أمر ترغبه بشدة إدارة إسلام آباد، إذ تعلم أنّها لا تستطيع أن تتواصل في تلك المنطقة من دونهم. الاتصالات الأميركية معهم تعكس استراتيجيتها الجديدة في تلك المنطقة لتشجيع هذه الجماعات على الانخراط بالعمل السياسي.
في مواجهة الاعتدال، هناك الجناح المتطرّف، لقد استطاع في أواسط كانون الأول الماضي، أن يتوحّد نحو 40 زعيماً من العصابات «الطالبانية» تحت راية مجموعة واحدة «حركة طالبان باكستان» سمّت الزعيم البشتوني المتشدد بيعة الله محسود زعيماً
لها.
ومن هؤلاء المتشدّدين الزعيم القبلي الشاب فضل الله، الذي يُقال إنّه «أصبح خارج السيطرة كليا» وخلق وضعاً معقّداً للرئيس الباكستاني وجنرالاته، كما لرجال الدين المحليين لأن طموحه تجاوز إقامة إمارة إسلامية في سوات. لقد بدأ رجاله في تشرين الأول شنّ هجمات ضدّ مقارّ الجيش واحتلالها ثم إنزال العلم الباكستاني ورفع علم حركتهم.
ويحثّ فضل الله رجاله على القتال «من أجل تطبيق الشريعة»، ويدّعي بأنّ الحكومة وعدت بتطبيق الشريعة عام 1994 و 1999 و لم تفعل. ويشدّد المتمرّدون الذين يقاتلون معه على أنّ «سكان تلك المنطقة القبلية يريدون الإسلام طريقةً في العيش». ويقولون «نحن إسلام نخضع لقوانين إنكليزية، وحركتنا تقوم على استبدال النظام الإنكليزي بآخر إسلامي».
إلا أن أحد مقاتليه السابقين، عبد الغفور (32 عاماً)، وهو حاصل على شهادة الدراسات العليا في علم الفقه الإسلامي ويعمل في التدريس صباحاً والقتال مساءً، اتهم فضل الله وحركته بأنهما «خدعا الشعب من أجل الحصول على أصواته، وذلك باسم الإسلام»، بعدما صوتت له الجماهير من أجل تطبيق الشريعة كما وعد (في الانتخابات السابقة). ويتابع «إلا أنه لا يطبق النظام الإسلامي على نفسه، فهو يتصوّر مع النساء وهذا أمر مخالف لمبادئ الإسلام، كما عجز عن حل أزمة جامعة حفصة (المدرسة النسائية التابعة للمسجد الأحمر)، ولم يستطع حماية جميع الأبرياء الذين قتلوا».
ويشير المدير السابق للاستخبارات الأميركية والخبير العسكري هنري هانك كرامبتون إلى أنّ «القيادات فقط من هم على درجة عالية من الثقافة والتعليم ويتواصلون عبر الانترنت، فيما رجالهم من فقراء المنكوبين تستغل القيادات ظروف الفقر والجهل كي تستخدمهم خدمة لأهدافها». إلا أن حالة غفور تبين أن الأصولية لا شأن لها بالفقر والجهل. لكن مثل هؤلاء يصعب على الزعامات المتشدّدة أن تنجح في استقطابهم بأسلوب عملها الحالي.
ماذا يفعل هؤلاء الطالبانيون المتطرّفون، يفجّرون كل ما في اعتقادهم مخالف للشريعة الإسلامية، قنوات التلفزيون ومتاجر بيع أشرطة الفيديو والموسيقى، يهدّدون بقتل القيّمين على وسائل الإعلام. ولم تسلم حتى أجهزة الاستخبارات الباكستانية، التي صنعت «طالبان» أفغانستان بداية التسعينات، من هجماتهم. وقد أعلن بعض المسؤولين في الاستخبارات وجود «قطيعة» مع الحركة. فهاجس «الجاسوسية» يلاحق عناصرها في كل مكان، فيُعدمون ويقطعون رأس كل من يتنسّمون فيه رائحة العمالة. فتجد الجثث المرمية في المناطق القبلية تعود إلى باكستانيين وأفغان وعرب وأجانب، تصاحبها ورقة تلعن «العملاء الكفرة وتحذّر كل من يحذو حذوهم».
وفي السنوات الخمس الماضية قتلت «طالبان» أكثر من 150 زعيم قبيلة موالياً للحكومة الباكستانية، ثم دفنت جثثهم على جوانب الطرقات ورفعت لافتات فوق قبورهم تقول «جاسوس أميركي». لقد انتهى دور هؤلاء مع بداية «الجهاد» في أفغانستان، وصعدت زعامات طالبانية جديدة متشدّدة «تجاهد ضدّ الكفار» على طرفي الحدود.
زعماء القبائل هم من تسعى وكالة الاستخبارات الأميركية إلى التحالف معهم وإعادة مواقعهم الماضية، وتجييرهم للقتال ضد عناصر «القاعدة» و«طالبان»، ولا سيما العرب والأجانب كما هو في محافظة الأنبار العراقية.
البعض يلوم أزمة النظام «العلماني الباكستاني» المتحالف مع واشنطن على بزوغ مثل هذه القيادات الطالبانية «الشابة والمتطرّفة»، لأن النظام لم يولد من رحم المجتمع، فأتت القيادات من محور آخر وإن صدف واتفقت الجماهير معها، فلا بد أن تكون الفترة مرحلية.