واشنطن ـ محمد سعيدأقرّ مسؤولون أميركيّون بعدم اطّلاعهم على حقائق المواجهات في جنوب العراق. ورغم ترحيب الرئيس جورج بوش بمشاركة القوات الجويّة الأميركيّة في الهجوم الذي تشنّه القوّات الحكوميّة ضد مواقع وقوّات «جيش المهدي» وميليشيات شيعيّة أخرى، فإنّ مسؤولين أميركيّين قالوا إنّ واشنطن لا تزال غير متأكّدة من نيات رئيس الحكومة نوري المالكي. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول أميركي كبير قوله: «إنّها حالة غير مستقرة، ويمكن تحقيق الكثير، لكن في الوقت نفسه ستكون الخسارة كبيرة».
وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأنّ معركة البصرة تبدو محاولة من المالكي وحلفائه لتعزيز وضعهم في الانتخابات المقرّر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل. كما تعزو مصادر عديدة قراره شنّ «صولة الفرسان» إلى المنافسة على السلطة وعوائد النفط في جنوب العراق، المستمرّة منذ أشهر عديدة بين أتباع السيّد مقتدى الصدر وميليشيات «فيلق بدر» التابعة لـ«المجلس الإسلامي الأعلى في العراق» بزعامة عبد العزيز الحكيم وحركة «الفضيلة» المنشقّة عن الصدر.
وقرار المالكي بشن معارك البصرة وأحياء العاصمة بغداد جاء بعد نحو 10 أيّام من لقائه نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، في بغداد، غير أنّ مسؤولاً أميركياً آخر أكّد للصحيفة أنّ «العمليّات هي من تخطيط عراقي وبقيادة عراقيّة». وقال إنّ «قوّات التحالف لم تشارك في التخطيط أو القرار، إلّا أنّها تقدّم المستشارين والدعم اللوجستي وأطقم الأسلحة الجويّة، فيما تقف قوّات ردّ الفعل السريع قوّة احتياط في حال الضرورة».
وأقرّ المسؤول بأنّ ضعف التخطيط قد يحوّل العمليّة برمتها في البصرة إلى ورطة. وحذّر من أن تسفر معارك البصرة عن إدخال العراق في عنف كارثي لا يختلف عن مستويات العامين الماضيين، ما يهدّد بتعطيل وقف إطلاق النار الذي اتّفق عليه مع الصدر في آب الماضي، وبالتالي محو «المكاسب الأمنيّة الأميركيّة المحقّقة» طوال العام الماضي.
وفي السياق، قال الخبير العسكري في مجلس الشؤون الخارجيّة، ستيفن بيدل، الذي عمل مستشاراً لقائد قوات الاحتلال الأميركي في العراق، الجنرال دايفد بترايوس، «ليس هناك ما يمنع العراق من العودة إلى أحداث تشرين الأول 2006، عدا إبرام اتفاقيّات طوعيّة من جانب اللاعبين، ولهذا تعدّ البصرة خطرة جداً»، مشيراً إلى أنّ الانهيار في البصرة يعني أنّ الكثير من الضغط سيأتي من الجيش لوقف الانسحابات الأميركيّة من العراق. وفي إطار محاولة الولايات المتحدة تحميل المالكي المسؤوليّة عن الفشل في السيطرة على الوضع في البصرة، أعرب ضبّاط قوّات الاحتلال عن استيائهم من تسرّع رئيس الوزراء في الزجّ بقوّاته في أتون هذا الصراع الدامي مع ميليشيا «جيش المهدي»، ووصفوا هذا التصرّف بأنه «مندفع». كما انتقدوا المالكي لعدم التنسيق المسبّق معهم قبل بدء شنّ الحملة.
ويقول مسؤولون أميركيّون إنّ القوّات المقاتلة لن تُرسل إلى البصرة إلّا عندما يلوح في الأفق أنّها أصبحت السبيل الأخير في المواجهة، لكن الأفضل من وجهة نظر واشنطن أن تكون القوات العراقية هي التي تكمل هذه المعركة حتى النهاية، ويقتصر دور أيّ قوات أميركية محتملة على القصف الجوّي وتغطية المناطق التي قد تصير غير محمية. وهو ما يعزّز موقف دعاة عدم الانسحاب من العراق في واشنطن.