بغداد ـ الأخباربعد 6 أيّام من القتال الدامي الذي بدأ في البصرة وامتدّ إلى محافظات أخرى وأحياء شيعيّة في بغداد، دعا السيّد مقتدى الصدر أتباعه في «جيش المهدي» إلى إنهاء المظاهر المسلّحة في الشوارع. دعوة رحّبت بها حكومة نوري المالكي في ظلّ تأكيد التيّار الصدري أنّ ميليشياته ستحتفظ بسلاحها
فيما احتدم قتال ضار في مدينة البصرة بين القوّات الحكومية ومسلّحي «جيش المهدي»، أمر مقتدى الصدر أتباعه أمس، بـ«إلغاء المظاهر المسلّحة»، مؤكّداً في الوقت ذاته «براءته» ممّن يحمل السلاح ضدّ «الأجهزة الحكومية»، التي حثّها على إطلاق سراح من لم تثبت إدانته من معتقلي التيار الصدري.
وقال الصدر، في بيان يحمل توقيعه وختمه صدر في النجف، «انطلاقاً من المسؤوليّة الشرعية، وتمهيداً لاستقلال العراق وتحريره من جيوش الظلام، تقرّر إلغاء المظاهر المسلّحة في البصرة وجميع المحافظات». وأضاف: «نعلن براءتنا ممن يحمل السلاح ويستهدف الأجهزة الحكومية ومكاتب الأحزاب»، مطالباً «بوقف المداهمات والاعتقالات العشوائيّة غير القانونيّة وتطبيق قانون العفو العام وإطلاق المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم».
ودعا البيان، الذي يتضمّن 9 نقاط ويلفت فيه عدم إشارة الصدر إلى «جيش المهدي» تحديداً، إلى «التعاون مع الأجهزة الحكومية في تحقيق الأمن»، كما طلب من «الحكومة مراعاة حقوق الإنسان في جميع إجراءاتها الأمنيّة»، متّهماًَ «المحتلّ بإثارة نار الفتنة بين أبناء شعبنا العراقي»، ومؤكّداً «عدم امتلاك التيار الصدري للأسلحة الثقيلة»، في إشارة إلى عرض الحكومة تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسّطة لقاء مكافآت مالية.
ويأتي هذا التطوّر بعد يوم من تأكيد قيادات في التيّار الصدري أنّ ميليشياته لن تسلّم أسلحتها إلى الحكومة وفقاً للجدول الزمني الذي وضعه المالكي، والذي ينتهي في الثامن من الشهر الجاري، وفي ظلّ إفادة تقديرات بأنّ الاشتباكات العنيفة التي بدأت مع الحملة الأمنيّة، «صولة الفرسان»، التي أطلقتها الحكومة الثلاثاء الماضي، أدّت إلى مقتل نحو 300 شخص وجرح أكثر من ألف آخرين.
وأكد مساعد الصدر، حازم الأعرجي، أنّ «الصدريّين» لن يسلّموا أسلحتهم في إطار تحرّك لإنهاء قتالهم مع قوّات الأمن العراقيّة. وأضاف أنّ التيّار حصل على ضمان من الحكومة بإنهاء «الاعتقالات العشوائية».
ورحّب المالكي بقرار الصدر، ورأى فيه «خطوة في الاتجاه الصحيح»، مشدّداً على أنّ «العمليّة الأمنيّة في البصرة لا تستهدف أنصار الصدر». وقال في بيان، «نأمل أن تسهم (خطوة الصدر) في استقرار الأوضاع الأمنية، وفرض سلطة القانون، وتهيئة الأجواء لمواصلة عمليّة البناء والإعمار».
وكان المتحدّث باسم الحكومة العراقيّة، علي الدباغ، قد وصف بيان الصدر بأنّه «إيجابي» وينمّ عن «شعور بالمسؤولية». وقال: «نتوقّع أن تكون هناك استجابة كبيرة، والذين لا يستجيبون يحاولون الإساءة إلى مقتدى الصدر. ولذا فإنّ الدولة ملزمة بأن تنفّذ القانون على من يخالف تعليمات الدولة أوّلاً، ويخالف تعليمات الصدر».
كما رحّب «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق» بالقرار. وقال رئيس كتلته في البرلمان، جلال الدين الصغير، «نحن نرحب بهذه المبادرة، ونتمنّى على الجميع أن يعملوا بها، وهذا القرار ينسجم مع قرار الحكومة مواجهة من يعمل على الإخلال بالقانون».
وشهدت البصرة أمس، اشتباكات عنيفة بين القوّات الحكوميّة، مدعومة بـ«قوّات خاصّة» أميركيّة بحسب بيان للاحتلال، و«جيش المهدي» على ضفاف شط العرب عند مدخل جسر التنومة العائم شرق المدينة. وقال مصدر أمني إنّ «القوّات الحكوميّة تواجه مقاومة عنيفة من جيش المهدي في الجهة الثانية من جسر التنومة، وإنّ الاشتباكات مستمرّة». وأوضح أنّ «القوات الحكوميّة تنوي العبور إلى منطقة التنومة لغرض السيطرة عليها والقبض على العصابات المسلّحة المطلوبة هناك».
وفي السياق، أشار المتحدث باسم الكتلة الصدريّة، النائب صالح العكيلي، إلى أنّ «مدينة المحموديّة تعرّضت لقصف مكثّف من طائرات قوّات الاحتلال، وأن غالبيّة الضحايا هم من الأطفال». وأضاف أنّ «الكتلة الصدرية تدين هذه العمليّة البربريّة، وتحمّل الحكومة وقوّات الاحتلال مسؤوليّة ذلك».
وكان مقتدى الصدر قد وصف حكومة المالكي بأنّها «ديكتاتوريّة» ودعاها، في مقابلة مع قناة «الجزيرة» الفضائية، مساء أوّل من أمس، بدا واضحاً أنّ توقيت تسجيلها تمّ قبل بدء «صولة الفرسان»، إلى التقرّب من الشعب عن طريق توفير الخدمات وتنفيذ مشروعات للإعمار. وقال إنّ هذه «الحكومة تعتني بنفسها أكثر ممّا تعتني بالشعب». وأضاف: «كنّا نشتكي في زمن (الرئيس الراحل) صدام (حسين) من أنّ الحكومة بعيدة عن الشعب وتتعامل مع الشعب بطريقة ديكتاتورية. الآن أيضاً الحكومة تعامل الشعب بطريقة ديكتاتوريّة».
في غضون ذلك، أعلنت مصادر أمنيّة عراقية مقتل 11 شخصاً على الأقلّ، هم 6 من الشرطة و5 من قوّات مجالس الصحوة، في هجومين منفصلين شمالي بغداد، أحدهما انتحاري بواسطة سيّارة مفخّخة.
وفي سامراء (125 كيلومتراً شمالي بغداد)، قال النقيب في الشرطة عماد أحمد إنّ «ستة من عناصر الشرطة قتلوا في هجوم مسلّح استهدف دوريّتهم صباحاً على الطريق الرئيسي جنوب بلدة الضلوعيّة» شمالي بغداد، وأضاف أنّ أحد القتلى «ضابط برتبة نقيب».
وفي تكريت، قالت الشرطة إنّ ما لا يقلّ عن 5 أشخاص من قوّات الصحوة قُتلوا وأصيب 9 آخرون بجروح في هجوم انتحاري بسيّارة مفخّخة استهدف مقراً لهذه القوّات في بلدة الصينية جنوبي بيجي، شمالي بغداد. وتُعدّ الصينيّة من أبرز أماكن المتطرّفين الإسلاميّين في المنطقة.