عرابة ـ الأخباروصل الآلاف من جميع القرى والمدن العربيّة، إلى عرابة لإحياء الذكرى الثانية والثلاثين لـ«يوم الأرض». من هذه القرية، الواقعة وسط «مثلّث يوم الأرض»، انطلقت الشرارة الأولى لأحداث عام 1976. واتخذت الذكرى، مع مرور كلّ عام، أشكالاً تراكميّة تجمع تحت جناحها المعاناة الفلسطينيّة الآخذة بالازدياد. قضايا وصلت ليس فقط إلى المطالبة بـ«العيش بكرامة»، بل إلى «الموت بكرامة»«هل تعلم؟»، يسأل أبو الأيمن، أحد السكان، «في عرابة لا يوجد مكان لدفن الأموات؟ أخذوا أرضنا ولم يتركوا لنا قطعة أرض ندفن أنفسنا فيها، لا يريدوننا أن نعيش بكرامة، ولا أن نموت بكرامة».
اندلعت الشرارة الأولى لـ«يوم الأرض» من هذا المكان، عندما أعلنت السلطات الإسرائيليّة مصادرة آلاف الدونمات في المنطقة رقم 9، «أرض المل»، التابعة لقرى عرابة وسخنين ودير حينا، التي صار اسمها قرى مثلّث «يوم الأرض». وهبَّت الجماهير دفاعاً عن أرضها. أُعلن الإضراب العام في 30 آذار عام 1976.
ويقول النائب السابق محمد ميعاري، وهو أحد أفراد لجنة الدفاع عن الأراضي في حينه، «في هذه القرية (عرابة) دخلت الدبابات والمجنزرات. واستطاع شبانها احتجاز ثلاثة رجال شرطة، تمَّ تحريرهم شريطة إخراج الجيش من القرية. وهذا ما حدث، وعاد من بعدها الجيش للانتقام. وهبَّت الجماهير الفلسطينية في كل مكان دفاعاً عن أرضها»، واصفاً يوم الأرض بـ«العلامة الفارقة في تاريخ الفلسطينيّين».
استيطان الداخل
قوّات الأمن تنتشر على أطراف القرى استقبالاً للقادمين. كان المتظاهرون يرفعون الأعلام الفلسطينيّة والأعلام السوداء. انطلقت ثلاث تظاهرات، خرجت الأولى من سخنين والثانية من دير حنّا، والتقتا مع تظاهرة ثالثة في عرابة، واتجهت المسيرة الكبرى لإحياء مهرجان على مقربة من الأرض التي أرادت السلطات الإسرائيليّة عام 1976 مصادرتها، ويستذكر رجل كهل، يملك أرضاً في المل لـ«الأخبار»، «لو أنّنا لم نقف مثل الصبّار في أرضنا وندافع عنها، لكان اليهود اليوم يحتفلون بيوم الأرض الخاص بهم، ويحتفلون إحياءً لذكرى المصادرة كما يحتفلون باستقلال إسرائيل».
من يسير في شواع الجليل الفلسطيني، يُدرك جانباً مركزياً من مأساة فلسطينيّي 48. يعي جيّداً أنَّ سياسة الاستيطان الإسرائيلية لا تقتصر فقط على الضفّة الغربيّة وحصار غزة والقدس المحتلّة، بل هي راسخة أيضاً بين قرى الجليل والمثلث وتتخذ شكلاً من تضييق الخناق، والتمييز في الخرائط الهيكليّة. كلّ القرى العربيّة محاطة، لا مجال لها للتوسّع، ومن يتوسّع يُهدم منزله ويُعدّ خارجاً عن القانون.
هي سياسة «أكثر نسبة عرب على أقل مساحة أرض». وهذا ملموس، لا يمكن تجاهله. فالطرق في الجليل، وخصوصاً تلك المؤدّية إلى عرابة وسخنين ودير حنّا، تملأها المستوطنات المنتشرة على سفوح وقمم الجبال، التي تزداد سنوياً مثل «الفقع» كما قال أحد سكان القرية. أُقيم جزء منها على أنقاض قرى عربيّة هُجّر أهلها عام 1948، بينما يقوم جزء آخر على أراض صودرت ممّن بقوا.
تآكل مستمر
منذ النكبة، تتعرّض أراضي الفلسطينيّين إلى تآكل مستمرّ في وقت يزداد فيه عدد السكان. نسبتهم من السكان هي 18 في المئة، لكنَّهم يمتلكون فقط 2.5 في المئة من مجموع الأراضي. فقد تضاعف عدد الفلسطينيّين منذ النكبة حتى عام 2008، ثمانية أضعاف، وفي الوقت نفسه قلّت نسبة الأراضي التي يمتلكونها إلى النصف. فإسرائيل بنت 600 قرية ومدينة يهوديّة جديدة على أنقاض 520 قرية فلسطينيّة.
ويقول المحامي عوني بنّا من جمعية حقوق المواطن لـ«الأخبار»، إنَّ هناك ما لا يقل عن 30 ألف مبنى عربي في المناطق الفلسطينيّة مهدّد بالهدم، وهناك مخطّطات لتضييق الحصار أكثر.
المسيرة تتّجه إلى المهرجان المركزي. في هذه المرّة، الشعارات تتّخذ طابعاً أكثر صخباً من كلّ مرة. كان الحضور الشبابي طاغياً، هتافات مندّدة بالمصادرة والفاشيّة الإسرائيلية، تذكّر بإحياء الذكرى بعد السنوات الأولى للحدث. شعارات أخرى داعية للوحدة الفلسطينيّة، وتحيّات إلى بيروت وغزة: «من عرابة لغزة، اهتزي يا أرضي اهتزي» و«من عرابة لبيروت شعب واحد ما بموت».
عريف المهرجان يشدّد على ما يعانيه الفلسطينيّون في الداخل من تحريض على القادة ومصادرة للأرض. ويستعرض قضية ملاحقة المفكّر عزمي بشارة، والتهديدات على الشيخ رائد صلاح. واعتقال الأمين العام لـ«أبناء البلد»، أبو أسعد. وصولاً الى استعراض سياسات التمييز بالأرض وتضييق الخناق. ويؤكّد رئيس لجنة المتابعة العليا، شوقي خطيب، محوريّة هذه القضايا، ويقول: «نحن نطالب بالحد الأدنى، بالعيش بكرامة على أرضنا»، ويتساءل مستهتراً بالحكومة الإسرائيلية، «من يمنعكم من إقامة مدينة عربيّة؟ أنتم تبنون مئات المستوطنات يوميّاً».
أمّا النائب عن «التجمع العربي الديموقراطي»، جمال زحالقة، فيرى أنّ «ما كان في عام 1948 من تهجير لن يعود على نفسه اليوم، شنق بالمرصاد لكلّ تخطيط لنهب الأرض». ويقول إنّ «80 في المئة من أراضي الفلسطينيّين صودرت بقوانين سنّها الكنيست وكأنّها قانونية»، مشدّداً على ضرورة مواجهة المخطّطات جماهيرياً وشعبياً.
من جهته، يؤكّد رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، النائب محمد بركة، أنّ المعركة، منذ «يوم الأرض» الأوّل، لا تزال مستمرّة، مشيراً إلى أنّ السلطات الإسرائيلية «لا تزال تهدم البيوت وتصادر الأرض»، مشدّداً على أنّ النضال منذ عام 1976 قد أثمر، لكن «الجرائم الإسرائيليّة لا تزال مستمرّة».