واشنطن ــ محمد سعيدكشفت وزارة الخزانة الأميركيّة، أمس، عن خطتها لتغيير أساليب عمل الإدارة في مراقبة القطاع المالي في الولايات المتحدة، فيما الأزمة الماليّة التي تشهدها البلاد هي الأسوأ منذ عقود، وقد امتدت لتطال آثارها السلبية أسواق المال العالميّة، مذكرة بأزمات القرن الماضي، مثل الانكماش الاقتصادي الياباني في التسعينيات والركود التضخمي في السبعينيّات والركود الكبير في الولايات المتحدة في الثلاثينيّات
الوضع الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة، حسبما يشرح الخبير الاقتصادي الأميركي جويل ناروف، يتضمّن عناصر من أزمات عديدة شهدتها الاقتصاديّات العالميّة، وهذا «ما يجعله مخيفاً إلى هذا الحد». وما أسهم في حدوث الأزمة الماليّة، التي تجلّت مظاهرها في وقتنا الراهن، هو استحداث المصارف التقليديّة لمنتجات ماليّة اتسمت بتعقيد متزايد على أمل زيادة الأرباح، من دون التمكّن من ضبط المخاطر الناتجة منها. ومن هنا الحاجة إلى خطّة مبتكرة للمعالجة.
دور أكبر لـ«الاحتياطي الفدرالي»
تضع الخطة الأميركية الجديدة خيوطها بيد رئيس الاحتياطي الفدرالي، المصرف المركزي الأميركي، بن برنانكي، علّه ينجح في إخراج الولايات المتحدة من الدوامة حيث تترابط أزمة الثقة بالأزمة المالية فتغذيان بعضهما.
وتدعو إلى قيام المصرف بدور تحقيقي أكبر في تدقيق الكشوف الماليّة للشركات والمؤسّسات الماليّة الأميركيّة التي تهدّد استقرار النظام المالي، بحيث يحثّها على ضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها تقليل المخاطر التي تتعرض لها، وذلك بعدما أدت الأزمة إلى قلق العديد من المستثمرين في العالم، ما دفعهم إلى الإقبال على شراء الأصول الآمنة مثل الذهب الذي قفز إلى 1032 دولاراً للأونصة منذ نحو أسبوعين.
أزمة الأمد الطويل
مدير صندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس ـ كان، توقّع استمرار الأزمة الاقتصادية الحالية لفترة طويلة، ورأى أنّها قد تؤدّي إلى نتائج خطيرة على نمو الاقتصاد العالمي، ولن يكون أحد بمنأى عنها. وهو ما وافقه عليه رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، الذي رفض الفصل بين الدول الغربيّة التي تواجه صعوبات، والدول الناشئة، ونبّه إلى أنّ الأزمة سيكون لها بعض الآثار على المستوى التجاري والمالي، في الوقت الذي أشاد فيه بالنشاط الاقتصادي القوي للصين والهند.
وفي هذا السياق، توقّع متعاملون في الأسواق العالميّة استمرار ضعف الدولار لمدّة لا تقلّ عن 3 سنوات بسبب العجز الأميركي الضخم. إلّا أنّ بعض الخبراء توقّعوا تحسّن قيمة الدولار مع انتخاب رئيس أميركي جديد، فيما يشدّد آخرون على أنّ العجز الأميركي هو السبب الحقيقي لضعف الدولار، ومن شأنه أن يستمر إلى ما بعد تغيير الرئيس، لأن البلاد دخلت في فترة كساد، والضوابط التي يتحدّث عنها الرئيس جورج بوش لم تعد فاعلة، فعجز الحساب الجاري والعجز التجاري وصلا إلى مستويات خطيرة ولم يعد الدولار يتمتّع بسند اقتصادي قوي.
كما أن السياسات النقديّة مثل خفض سعر الفائدة لا تبدو كافية لوقف التباطؤ الاقتصادي، فضلاً عن أنّ عدم قدرة الإدارة الأميركية على خفض كلفة الاقتراض يعني أنّها لا يمكن أن تندفع نحو إنعاش اقتصادها، وخصوصاً في ظلّ دينها الباهظ الناجم عن حربها في العراق.
أزمة ثقة في النظام المالي
يرى خبراء أنّ أزمة الاقتصاد الأميركي هي أزمة ثقة، والعديد من الاقتصاديين يرون فيها إشارات للركود التضخمي الذي حصل في السبعينيات، حين اقترن ركود في النمو بتضخم ضاغط. وتقول الخبيرة الاقتصادية في شركة «تشارلز شواب المالية»، ليز آن سوندرز: «حتى إن كنّا لا نزال بعيدين عن التضخّم الكبير الذي عرفته السبعينيات، إلّا أنّ هناك عناصر مشتركة»، موضحةً أنّ «المصرف المركزي تعهّد كما في تلك الفترة إبقاء التضخّم تحت السيطرة لكنّه اضطرّ إلى إعادة توجيه جهوده نحو النموّ».
وتشهد الولايات المتحدة الأميركية أزمة ماليّة عنيفة انتقلت عدواها إلى الأسواق الماليّة لمختلف الدول، وتتفاعل مع الوضع الاقتصادي الكلي الذى يعاني مشاكل أبرزها العجز التجاري منذ عام 1971، حيث لم يسجّل الميزان التجاري أيّ فائض، بل سجَّل عجزاً يزداد سنوياً وصل عام 2006 إلى 758 مليار دولار.
وهناك أيضاً ارتفاع المديونيّة. حيث أظهرت إحصاءات وزارة الخزانة ارتفاع الدين الحكومي من 8.4 تريليونات دولار عام 2003 إلى 8.9 تريليونات دولار العام الماضي. وبذلك فإنّ الولايات المتحدة تعاني بشدّة من ديونها العامّة ويعادل حجم هذه الديون ثلاثة أضعاف الديون الخارجيّة للدول النامية.
ونبّه الخبراء إلى أنّ ثقل المديونيّة الأميركيّة لا يتوقف على الإدارات الحكوميّة، بل يشمل الأفراد والشركات أيضاً، فقد بلغت الديون الفرديّة 9.2 تريليونات دولار منها 6.6 تريليونات دولار ديوناً عقاريّة أسهمت في الأزمة الماليّة الحاليّة بشكل كبير. أمّا ديون الشركات فتحتلّ المرتبة الأولى من حيث حجمها البالغ 18.4 تريليون دولار، وتمثّل هذه الديون في حدّ ذاتها أزمة ماليّة خطيرة.
ويؤكّد الخبراء أنّ أزمة أسواق الائتمان في الولايات المتحدة انعكست على حركة تدفق الاستثمارات بالنسبة إلى البورصات العالميّة. إذ شهد العام الماضي تحوّلاً غير مسبوق لحركة الاستثمارات النازحة من أسواق الأسهم العالميّة لتجتذبها الأسواق الناشئة حيث بلغ حجم الأموال التي ضخّها المستثمرون الأميركيون فقط في صناديق الاستثمار بأسواق المال الناشئة رقماً قياسياً بلغ في العام الماضي نحو 40 مليار دولار مرتفعة بذلك بنحو 100 في المئة عن حجم الأموال المستثمرة في العام السابق.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ حجم موجودات صناديق الاستثمار بأسواق الأسهم الناشئة قد تضاعف خلال العام الماضى ليتجاوز 800 مليار دولار مقارنة بحجم الموجودات المسجّلة في تلك الصناديق منذ نحو 10 أشهر والتي لم تتجاوز 80 مليار دولار.