strong>أرنست خوريكأنّ رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، وأركان حزبه «العدالة والتنمية» عموماً، كانوا على يقين تام منذ أيّام، بأنّ قرار المحكمة الدستورية لن يكون من مصلحتهم أبداً. أكثر من ذلك، بدا من تصريحات أركان الحزب الإسلامي المعتدل، في اليومين الماضيين، أنّ إجماعاً سيتحقّق بين القضاة الـ11 الذين يؤلفون هيئة هذه المحكمة الفائقة الصلاحيات، على قبول دعوى المدعي العام لمحكمة التمييز عبد الرحمن يالتشينكايا الذي تقدّم بها في الرابع عشر من الشهر الماضي، لحظر الحزب الحاكم، ومنع 71 من أعضائه من مزاولة العمل السياسي لخمس سنوات، بحجّة «تحوّل الحزب إلى بؤرة للنشاطات المعادية للعلمانية».
كان منتظراً أن يصدر، أمس، قرار المحكمة. كان يسود جوّ في البلاد يوحي بالتشاؤم منذ تقديم يالتشينكايا دعواه. صحّت الترجيحات السوداء بالنسبة لشعبية الشارع الإسلامي، وقبلت المحكمة النظر بالدعوى. غير أنّ طعنة في الظهر تلقّاها حزب أردوغان، إذ جاء قرار النظر بحلّ الحزب بالإجماع، بينما جاء القرار بقبول إدراج اسم الرئيس عبد الله غول ضمن لائحة من يمكن أن يُمنعوا من العمل السياسي، بأكثريّة 7 أصوات في مقابل 4 (كان غول قد عيّنهم)، على حدّ ما كشف نائب رئيس المحكمة الدستورية عثمان باسكوت.
قلّما يهمّ إذا كان القرار اتُّخذ بالغالبية أو الإجماع. المهم أنّ تركيا دخلت في مرحلة عدّ عكسي لا وجود لمن يشكّك في أنها ستكون مفصليّة. للمرة الأولى في تاريخ البلاد، الحزب الحاكم سيقف في قفص الاتهام، والترجيحات التي تنذر بخسارته المعركة، ليست بقليلة.
عام سيمرّ، وتركيا ستكون في دائرة الانعكاسات السلبية في السياسة والاقتصاد. فالآلية المعقدة للإجراءات القضائية ستكون طويلة وحدّها الأدنى سيكون 12 شهراً قبل أن تلفظ المحكمة قرارها.
بعيداً عن الآلية القضائيّة يُطرح سؤال مركزي: لماذا لم يسر الحزب بتلويحه الذي طرحه غداة 14 آذار، بنيّته الجدية طرح تعديل دستوري قبل أن تعلن المحكمة قرارها بشأن قبول النظر في الدعوى من عدمه، للمادّتين 68 و69 بما يضع عقبات أمام المحكمة الدستورية من ناحية قدرتها على حلّ الأحزاب السياسية؟ سؤال لم يُعرَف جوابه بعد، لا بل وردت تصريحات من أركان الحزب الحاكم زادت من الغموض في الموضوع. تصريحات جاءت في سياق تحضير أردوغان شخصياً، لجوّ مواجهة الأسوأ، فقال بوضوح «إذا كان الوطن سيفوز، فنحن مستعدّون للخسارة»، في تلميح إلى احتمال حظر نشاطات حزبه.
الرجل استبق، أوّل من أمس، أمام مهرجان لنساء حزبه، قرار المحكمة وأعلن أنّ «التاريخ لن يغفر لمن يتّخذ قراراً بحظر حزبنا». يُستَشَف من هذا الكلام، احتمال من بين اثنين: إمّا لتحضير الأجواء عند محازبيه لمواجهة هذا الاحتمال، وخصوصاً أنّ «العدالة والتنمية» وُلد عام 2001، من رحم سلسلة قرارات للمحكمة الدستوريّة، أقفلت أحزاباً إسلاميّة عديدة، كان آخرها حزب «الرفاه». أو بالعكس، بمعنى أنه يتابع الحملة التي انطلقت مع قانون السماح بارتداء الحجاب في الجامعات وإعطاء الأقليات الطائفية غير المسلمة حقوقها، ويجب أن تستمرّ بتعديل المادتين 68 و69 وتعديل المادّة 301 من قانون العقوبات (معاقبة كل من يخلّ بقيم التتريك (TURKISHNESS) والحد من صلاحيات المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، والاستمرار بالحملة ضدّ العصابات القومية الفاشية ERGENEKON، كل ذلك لقطع أيدي المغالين بعلمانيتهم عن تفاصيل الحياة العامّة والحقوق الشخصية والعامة للأتراك).
منذ البداية، كان واضحاً أنّ إثارة الدعوى القانونية ضدّ الحزب التركي وكوادره، جاءت بهدف عرقلة قضيتين مركزيّتين في مشروع حكومة أردوغان: قضية الحجاب، وقضية ERGENEKON. فآخر التحقيقات أظهرت أنّ هناك ارتباطاً قوياً بين دعوى يالتشينكايا وعصابات «الدولة داخل الدولة» المرتبطة بسلسلة جرائم ارتُكبَت ضدّ مثقّفين ويساريين وأكراد وكانت تعدّ لانقلاب عسكري في العام المقبل يطيح الإسلاميين. ارتباط أكّدته واقعة أن نصّ الدعوى كان موجوداً على جهاز الكتروني لأحد زعماء الخليّة السريّة قبل تاريخ 14 آذار.
أما عن ارتباط الدعوى بقضيّة تعديل المادّة 10 من الدستور، التي سُمِح على أثرها للمحجبات بدخول الجامعة، فلم يكن أمراً سرياً، إذ قال يالتشينكايا نفسه أمس، «كان يمكن حزب العدالة والتنمية أن يتفادى خطر الحظر لو لم يسمح بارتداء الحجاب»، واصفاً قرار المحكمة النظر في دعواه بأنه «أفضل قرار يصدر باسم الأمة التركية».
يالتشينكايا هزأ باحتمال أن يقوم الحزب الحاكم بتعديل الدستور لمنع المحكمة الدستورية من إصدار أحكام بحظر الأحزاب السياسية. فبحسب رأيه، فإنّ «تعديل الدستور بعدما تقرر المحكمة النظر بالدعوى لا معنى قانونياً له». وعن احتمال أن تلجأ حكومة أردوغان إلى استفتاء شعبي، رأى أنّ هذا الخيار «لا تجرؤ على اتخاذه». رأي لم يشاركه فيه أبداً أردوغان الذي أشار إلى أنّ صناديق الاقتراع «ستقول كلمتها في ما إذا كان الشعب معنا أم لا»، من دون توضيح ما إذا كان ينوي تنظيم انتخابات مبكرة أم طرح التعديلات الدستورية على استفتاء شعبي.
أردوغان عمّم على جميع مسؤولي حزبه ضرورة عدم إطلاق أي تصريح كردّ فعل على قرار المحكمة. لكن رئيس الوزراء أعاد الثقة لدى مناصريه، عندما رفض المبادرة التي تقدّمت بها 7 من كبريات المنظمات غير الحكومية منذ أيّام لحلّ الأزمة الدستورية والوطنية بين الحكومة والعلمانيين. حلّ لو قبلت الحكومة به لعُدّ تراجعاً لها إلى نقطة الصفر في معركة كسر العظام ضدّ المعارضة. عودة إلى نقطة الصفر لأنها تقوم على 3 شروط: سحب دعوى حلّ الحزب في مقابل أن يتراجع «العدالة والتنمية» عن تعديل المادّة 10 من الدستور (السماح بالحجاب)، وأن يعلن سحب مشروع تعديل المادتين 68 و69 لفرض شروط تعجيزية تحول دون تمكّن أي محكمة من حظر نشاط الأحزاب السياسية.


لخوف على الاقتصاد قبل كلّ شيء
قليلة هي الأمور التي تجمع حولها الأطراف المتباعدة عقائدياً وسياسياً في تركيا. غير أنّه يصعب أيجاد شخصين يشكّان في أن يكون الاقتصاد التركي الشهيد الأوّل للأزمة السياسية والقضائية والوطنية العامّة التي لن تنتهي قبل عام من اليوم، بعدما وافقت المحكمة الدستورية أمس، على النظر بطلب حظر حزب «العدالة والتنمية».
المعسكر العلماني الموالي للعسكر يدرك تماماً أنّه لا بأس من أن يعاني الاقتصاد انتكاسات، إذا كان المردود سياسياً، بكلام آخر، إذا كان سيجني من وراء ذلك حشر الحزب الحاكم في الزاوية، بمعنى أن يتخلّى عنه الـ 47 في المئة من المواطنين الذين أعطوه ثقتهم في انتخابات العام الماضي، بعدما حقّق الفريق نفسه إنجازات اقتصاديّة منذ تأليفه حكومة عام 2002. وعندما قدّم عبد الرحمن يالتشينكايا دعواه في 14 آذار، انخفضت قيمة الليرة التركيّة والأسهم بنسبة أكبر من تلك التي وصلت إليها في 21 شباط الماضي عندما اجتاحت القوات التركية الأراضي العراقية في أوسع حملة تشنّها على المقاتلين الأكراد منذ 10 سنوات. ويوم أمس، وفور انتهاء المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه قبول المحكمة النظر بالدعوى القضائية، انخفضت الليرة والأسهم إلى مستوى قياسي جديد، لترتفع الأصوات عالياً مبدية الخوف من أن الأسواق والاستثمارات وأرقام العمالة والبورصات ستتعاطى مع مفاعيل احتمال حظر الحزب الحاكم، على أنه انقلاب عسكري لا شكّ سيؤدّي إلى عودة تركيا إلى حظيرة «الدول الفاشلة اقتصادياً».
(الأخبار)