باريس ـ بسّام الطيارة
نعتَ الجنرال شارل ديغول يوماً الفرنسيين في مداخلة تلفزيونية بأنهم «عجول» لا يقاومون السياسيين الذين يقودونهم حيثما يشاؤون. وبعد مدة غير طويلة، أظهر الفرنسيون أنهم قادرون على الممانعة والتحرك، فكانت ثورة الشباب في ربيع ٦٨ وأعقبها استفتاء ذهب ضحيته الجنرال الذي اضطر للاستقالة. واليوم يُظهر الفرنسيون لرئيسهم نيكولا ساركوزي أنهم قادرون على مقاومة «بريق وعوده» ويستطيعون تجنب الوقوع في فخ «الحركة الإعلامية المتواصلة» والنظر ملياً إلى ما تحقق، وخصوصاً ما لم يتحقق من وعود انتُخب على أساسها.
فاستطلاعات الرأي تتنوع، والأسئلة تختلف من دون أن تتغير نتائجها، وكلها تشير إلى «تراجع مستمر لشعبية ساركوزي» لدى الرأي العام الفرنسي. آخر الأرقام المأخوذة من استطلاع ظهر أمس في «الفيغارو»، وهي من أشد الداعمين للرئيس، لم تستطع إلا أن تنشرها تحت عنوان له دلالة كبيرة: «تآكل شعبية ساركوزي مستمر». وتدل الأرقام على أن معدل قياس شعبية الرئيس بات ٤١ في المئة، أي بتراجع يبلغ ثماني نقاط، يؤكد «التوجهات السلبية» التي برزت منذ شهرين في مسار البيانات الاستطلاعية المتعلقة بشعبيته.
يشدد الإعلام المقرب من ساركوزي على أن «التعريض المكثف لحياته الخاصة» وعلاقته مع عارضة الأزياء السابقة، المغنية كارلا بروني، أثَّر سلباً على شعبيته. وفي المقابل، فإن الإعلام المصطف في جبهة المعارضة لساركوزي يبرز «ترابط شخصيته وما ظهر للرأي العام من حياته الشخصية» ليفسِّر أن الفرنسيين لا يوافقون على نمط حياة ساكن الإليزيه الراكض وراء الظهور مثل المشاهير، الذي بات يعرف في الإعلام الفرنسي تحت تسمية «بلينغ بلينغ» أي اللماع والبراق. ولكن تتفق معظم التحليلات السياسية على أن الفرنسيين يحكمون على رئيسهم من خلال «النتائج الواقعية» وأن تراجع شعبيته على علاقة مباشرة بالنتائج الغائبة. ويشيرون إلى أن تراجع الشعبية والثقة بعمل العهد الجديد يصيب أيضاً رئيس الوزراء «ذا نمط الحياة الكاثوليكي المحافظ» البعيد عن الأضواء. إذ تراجعت شعبيته إلى ٤٣ في المئة.
ويضاف إلى ذلك أن 52 في المئة يقولون إن مسار الحكم يسير في طريق الخطأ، بينما يوافق فقط ٣٧ في المئة على هذا المسار.
ويأتي تراجع القوة الشرائية في رأس قائمة المسائل الشعبية التي لم يجد لها ساركوزي حلاً، إضافة إلى تسارع وتيرة الإضرابات؛ فقبل يومين نظّم أصحاب سيارات الأجرة إضراباً تحت اسم «سلحفاة» سبب ازدحاماً قوياً جداً نتيجة إغلاق طرقات المدن الكبرى. وأمس أضربت عاملات المخازن الكبرى في العديد من المدن، والحبل على الجرار، بسبب تراكم المطالب وغياب الحلول.
وقد بدأ تراجع الشعبية هذا يخيف قسماً كبيراً من حزب ساركوزي «تجمع الأكثرية الشعبية» الذي بدأ معركة الانتخابات البلدية، فيما يحاول الاشتراكيون الاستفادة من هذه الموجة السلبية لتسوية ميزان القوى الذي فرضته الانتخابات النيابية في سياق تيار وصول ساركوزي إلى الرئاسة. أمَّا اليمين المتطرف فيحاول استرداد بعض شعبيته التي انهارت بفعل وعود ساركوزي البراقة لقاعدته.