واشنطن ــ محمد سعيد
يتميّز المتنافسون الجمهوريون للفوز بترشيح حزبهم لانتخابات الرئاسة الأميركية بأنهم ينتمون إلى حركة أيديولوجية يمينية يغلب على الكثير من المنتمين إليها التطرف. وقد أظهرت المناظرات بينهم أنهم يترددون في انتقاد السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش ويتبنون سياسة خارجية متطرفة تميل إلى مفاهيم الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان. غير أن واقع حالهم يتعارض مع ذلك، إذ كان ريغان قد نجح في بناء الوحدة بين مختلف التيارات داخل الحزب الجمهوري. أما اليوم، فإن أياً من المرشحين الجمهوريين لم يرتق إلى بعض ما فعله ريغان. وقد بدا واضحاً حتى الآن أن التنافس بين الجمهوريين ينحصر في ثلاثة هم جون ماكاين وميت رومني ومايك هاكابي.




جون ماكاين

رغم تقدمه في العمر (ولد عام 1936)، الذي يجعل منه أكبر المتنافسين بين الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء، إلا أن جون ماكاين، الذي يمثل ولاية أريزونا في مجلس الشيوخ الأميركي، معروف بإرادته الصلبة وهو الذي أمضى أكثر من خمس سنوات أسير حرب في فيتنام.
والده كان أميرالاً في البحرية الأميركية، وكغيره من الأميركيين، فقد التحق بالخدمة العسكرية وشارك في حرب فيتنام ليقع في الأسر بعدما أسقطت المدافع الفيتنامية طائرته عام 1967 وليقضي خمس سنوات ونصف السنة في معتقل هانوي لأسرى الحرب. ويقال إنه تعرّض للتعذيب، لذلك أظهر في الكونغرس معارضة لاستخدام التعذيب في المعتقلات الأميركية في العراق وأفغانستان والمعتقلات السرية التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه».

العراق القاعدة وليس الاستثناء

أثبت ماكاين أنه محافظ صلب في غالبية القضايا الاجتماعية، فعارض حق الإجهاض وزواج مثليّي الجنس. وكما هي الحال في القضايا الداخلية، فإن ماكاين يتمسك بقناعاته بصلابة في القضايا الخارجية، ولا يتأثر بالتيارات السائدة. فرغم عدم شعبية الحرب في العراق، كان أول من طالب بإرسال تعزيزات على الأرض، وهو يعارض بشدة سحب الجنود الأميركيين من هذا البلد. لكن هذا لا يعني أنه يوافق على كل شيء.
أظهر وفاءً كبيراً لجورج بوش برفضه عام 2004 عرضاً من صديقه جون كيري ليخوض الحملة الانتخابية معه كنائب للرئيس، لكنه كان أول الجمهوريين الذين انتقدوا اجتياح العراق بعدد قليل من الجنود والأول الذي طالب باستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في سياق انتقاده لإدارة الحرب على بلاد الرافدين ومن موقع دعم الحرب ذاتها.
يمثل مقال جون ماكاين في العدد الأخير من مجلة الشؤون الخارجية (فورين أفيرز) برنامجه في السياسة الخارجية، حيث يتناول بشكل رئيسي موقفه إزاء العراق وإيران والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
ولا يزال جون ماكاين، الذي صوّت في عام 2002 لمصلحة غزو العراق واحتلاله، يرى صحة ذلك القرار. وفي آخر تصريحاته، خلال مناظرة بين المتنافسين الجمهوريين في ولاية فلوريدا الشهر الماضي، قال إن «الواقع هو أننا ننتصر في العراق». وفي بيان في آب 2006، قال «لقد أيّدت القرار الصعب للرئيس بالذهاب إلى حرب في العراق. ولا أزال مؤيّداً تماماً لإصراره على عدم مغادرة العراق حتى تصبح حكومة البلاد المنتخبة وقواتها المسلحة قادرتين على الدفاع عن العراق ضد عزم الأعداء، من الأجانب والمحليين، على إحباط إرادة الشعب العراقي ومنعه من بناء مجتمع مدني تكون فيه حقوق وأمن جميع العراقيين مكفولة».
ويعرف عن ماكاين أنه مؤيّد صريح لقرار بوش زيادة عدد القوات في العراق. ويعارض وضع جدول زمني لعملية سحب القوات من هذا البلد، معتبراً أن «التسوية السياسية في العراق يمكن أن تتحقّق فقط بعد احتواء العنف ولا يزال هناك طريق طويل للسير فيه».
ولا يبدو أن لماكاين أيّ استراتيجية بديلة من الوضع القائم حالياً في العراق، إذ قال في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في نيسان 2007 «ليس لديّ خطة ب. وكل خيار بديل أعرفه لذلك مرتبط بموعد للانسحاب، وهو ما سيُملي فوضى في المنطقة وإبادة جماعية».
وكانت شعبية ماكاين قد تراجعت في استطلاعات الرأي العام الماضي عندما تصاعدت أعمال العنف والمقاومة في العراق، غير أنه لم يتراجع عن موقفه الداعم للحرب، وهو ما اعتبره بعض المحللين «عملية انتحار سياسي». لكن ماكاين، الذي زار العراق خمس مرات منذ احتلاله، واصل موقفه. وقال، في خطاب أمام أكاديمية فرجينيا العسكرية يوم الرابع من كانون الأول الماضي، إن الحرب على العراق «ضرورية وعادلة». كما قام بجولة انتخابية تحت شعار «لا استسلام»، معارضاً دعوات الانسحاب من بلاد الرافدين. وقال للناخبين الأميركيين «من الأفضل لي أن أخسر الانتخابات بدلاً من خسارة حرب». وردّ على أحد مناهضي الحرب في نيوهامشير الشهر الماضي عندما سأل عن المدة التي ستقضيها القوات الأميركية في العراق بالقول «لن أكون قلقاً إذا بقيت القوات الأميركية في العراق مئة عام». وأضاف «لقد مضى على وجودنا في اليابان ستون عاماً، وفي كوريا الجنوبية خمسون عاماً أو أكثر».

لا حوار مع إيران وسوريا

يتّخذ ماكاين موقفاً مناهضاً للحوار غير المشروط مع إيران وسوريا، اللتين يصف نظامي حكمهما بـ«الديكتاتورية». ويقول إن «الحل ليس في الدخول في محادثات غير مشروطة مع هاتين الديكتاتوريتين من موقف ضعف. الحل يكمن في أن يُمارس المجتمع الدولي ضغطاً حقيقياً على سوريا وإيران لكي تغيرا سلوكياتهما. كما يتعيّن كذلك على الولايات المتحدة تعزيز وضعها العسكري الإقليمي لتوضح لإيران تصميمنا على حماية قواتنا في العراق، وعلى منع التدخل الإيراني في ذلك البلد».
ويرى ماكاين أن إيران هي الراعي الأول لما يسمّيه «الإرهاب الدولي»، مؤكّداً أن الولايات المتحدة «ستعمل على فرض عقوبات مضاعفة عليها. وبرغم أن العمل العسكري ليس خيارنا المفضل، يجب أن يبقى على الطاولة. على طهران أن تفهم أنه ليس في وسعها كسب نزال مع العالم».
وفي مقابلة مع كريس ماثيو، مقدّم برنامج «هارد بول» في شبكة التلفزيون الأميركية «إم إس إن بي سي» في أيلول 2007، قال ماكاين «ما سأركز جهودي عليه هو محاولة تكوين تحالف من الدول الديموقراطية من خارج إطار الأمم المتحدة، وذلك لأن كلاً من روسيا والصين ستعمل على استخدام النقض ضد أي شيء نريده للتحرك بفاعلية ضد إيران، وهذا التحالف من الديموقراطيات يجب أن يقطع أي نوع من القروض التي توسعها البنوك الأوروبية بينما نتحدث الآن، والعلاقات الدبلوماسية، وغير ذلك من العقوبات لممارسة ضغط حقيقي على الاقتصاد الإيراني الهش إلى حد ما. أعتقد أن ذلك هو الطريق الذي يجب أن نسلكه».
وفي شباط عام 2005، شارك ماكاين في تبني «قانون حرية ودعم إيران»، الذي من شأنه زيادة العقوبات على طهران وتقديم الدعم للجماعات الإيرانية المعارضة لنظام الحكم داخل الجمهورية الإسلامية. كما شارك في تبني قانون منع الانتشار الخاص بإيران الصادر في آذار 2007، والذي من شأنه تشديد العقوبات على إيران، وتقليص صادرات المواد الغذائية من الولايات المتحدة إلى هذا البلد، وإعلان الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
وتجدر الإشارة إلى أن ماكاين كان قد تعرض في نيسان 2007 للانتقاد بعدما أدى خلال إحدى جولاته الانتخابية أغنية دعا خلالها إلى ضرب إيران.

المؤمن بالتعاليم المسيحية اليهودية

في حواره الأخير من موقع «بيليف. نت» الإلكتروني المهتم بالقضايا الدينية، قال ماكاين إن «الولايات المتحدة مبنية على التعاليم اليهودية المسيحية، وإن الدستور الأميركي أسس أمة مسيحية». كما عبّر عن عدم ارتياحه لفكرة وجود رئيس مسلم في البيت الأبيض.
وفي رده على سؤال عن مدى ما يمثله دين المرشحين في السباق الرئاسي، قال ماكاين «إن السؤال عن هذا الأمر مشروع تماماً»، مضيفاً أن «القضية الأولى التي ينبغي على الناس أن يراعوها لدى اختيارهم لرئيس الولايات المتحدة هي: هل سيحمل هذا الشخص التعاليم الأخلاقية اليهودية المسيحية التي جعلت من هذا البلد التجربة الأعظم في تاريخ البشرية؟».
ورغم تعبيره عن إعجابه بالإسلام و«الكثير من المبادئ الجيدة فيه»، إلا أن ماكاين أكد أنه «ما دامت هذه الأمة تأسست في البداية على مبادئ مسيحية، فإنني شخصياً أفضل شخصاً أعلم أن لديه أساساً ثابتاً في ديني»، مضيفا أن الدستور الأميركي «أسس الولايات المتحدة كدولة مسيحية».
وفي مقاله في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان «سلام مستدام مبني على الحرية»، يعتبر ماكاين أن هزيمة «التطرف الإسلامي الراديكالي» هي التحدي الأول للأمن القومي في الوقت الراهن، والعراق جبهة مركزية في هذه الحرب. وبالتالي ينبغي على الولايات المتحدة تحقيق النصر في العراق «وهي قادرة على ذلك». أما نتيجة الانسحاب من العراق، كما يطالب الديموقراطيون، فستكون من وجهة نظره «مرعبة: خسارة تاريخية على أيدي المتطرفين الإسلاميين، ودعوة إلى إيران للسيطرة أكثر على العراق وعلى كامل المنطقة».
وهو يعتقد أن ما سيحدث في العراق سيؤثر في أفغانستان. لذلك «يجب أن نضاعف جهودنا وجهود حلفائنا في حلف الأطلسي لوقف انبعاث حركة طالبان من جديد، ولرفع القيود عن ممارسات قواتنا المسلحة هناك».

... وبإسرائيل

يؤكد ماكاين، في مجلة «الشؤون الخارجية»، على «القيم والسمات المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل». ويرى أن حركة «حماس» تمثل «أكبر تهديد للأمن الإسرائيلي؛ من خلال سيطرتها على قطاع غزة، وتبنّيها العنف والعمليات المسلحة ضد الإسرائيليين (المدنيين والعسكريين)، إلى جانب تزايد إطلاق الصواريخ على مناطق السيادة الإسرائيلية».
ويرى ماكاين أن قضية «حماس» «ليست حدود 1967، ولكن إزالة إسرائيل، ورفض العيش معها»، معتبراً أن «حماس وإيران لا تريدان عملية السلام في المنطقة، بل تريدان تدمير إسرائيل وإزالتها من على الخريطة». ولذلك، يرى ماكاين أن واشنطن يجب أن تعمل على عزل حماس دولياً، وتدعيم ما سمّاه «الحق الشرعي القانوني لدفاع تل أبيب عن أمنها ضد صواريخ حزب الله وحماس، والضغط على دمشق وطهران لوقف دعمهما لحماس وحزب الله والجماعات التي ترى فيها واشنطن وتل أبيب أنها جماعات إرهابية».
واتساقاً مع باقي المرشحين، يدعو ماكاين إلى تدعيم إسرائيل بكل الأسلحة والتقنيات العسكرية المتقدمة، إذ إن الدولة العبرية، من وجهة نظره، «حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية»، وبالتالي فعلى واشنطن «الحفاظ على التفوّق الإسرائيلي النوعي على كل الدول العربية الساعية إلى تدعيم قوتها العسكرية بالاعتماد على قوى دولية مناوئة للولايات المتحدة ولا سيما موسكو».
ويذكر أنه قام في عام 2006 بزيارة إسرائيل والتقى مع عائلتي الجنديين الإسرائيليين المأسورين لدى حزب الله. وأثنى على دورهما «المقدس في حماية الأمن الإسرائيلي ومحاربة الدول المعتدية على مشعل الحرية في المنطقة». وقال إنه «إذا وصل إلى المكتب البيضاوي، فإنه سيعمل على تحقيق الأمن والمصلحة الإسرائيليتين»، وسيدعو تل أبيب إلى أداء دور محوري وأساسي في «رابطة الديموقراطيات»، التي اقترحها كمنظمة تضم الدول المتشابهة في القيم والمصالح من أجل العمل معاً من أجل قضية السلام.
ويعتقد ماكاين بتزايد تهديدات إيران وحزب الله و«حماس» وآخرين لإسرائيل. وقال «دعمنا الطويل لإسرائيل سيستمر، بما في ذلك تزويدها بالعتاد العسكري والتكنولوجي الضروري لضمان تفوقها العسكري النوعي. أما السلام فيجب أن يكون حقيقياً، وهذا يعني ضرورة عزل حماس».
ويصف ماكاين منطقة الخليج العربي بأنها «في يد ديكتاتوريين أو شركات نفط مؤمّمة»، ويقول إنه سيضع استراتيجية طاقة جديدة «للاستقلال عن اعتمادنا على شيوخ النفط وانكشافنا أمام سياساتهم المثيرة للمتاعب».
وقال ماكاين، الذي يحظى بدعم من اللوبي الإسرائيلي، إن «إقامة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ستكون من أولويات الإدارة التي سيؤلّفها إذا فاز في الانتخابات». ورغم أنه لم يطالب صراحة بإقامة دولة فلسطينية، إلا أنه قال إن «المسيرة الطويلة من أجل إقامة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن تظل من الأولويات».




ميت رومني

اسمه الكامل ويلارد ميت رومني، ولد في 12 آذار 1947 في ديترويت في ولاية ميتشيغين، التي كان يحكمها والده. ينتمي ميت رومني إلى الطائفة «المرمونية»، وهي رابع أكبر مذهب في أميركا ويبلغ عدد المنتمين إليها نحو 5.6 ملايين شخص، وهي مذهب مغلق أسّسه جوزيف سميث عام 1830. واسم الكنيسة المرمونية «كنيسة يسوع المسيح لآخر الأيام»، وقد أباحت تعدد الزوجات فترة ثم حظرته كما حرمت شرب الخمر والجنس قبل الزواج وخارجه وتعارض المثلية.
قبل تخرجه من جامعة هارفارد بشهادة حقوق، عمل رومني مبشّراً مرمونياً في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، كما عمل في القطاع الخاص حيث أسس في مدينة بوسطن مع غيره شركة «بين كابتال». وقد خسر رومني السباق للفوز بمقعد ولاية ماساشوسيتس في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري ضد الديموقراطي البارز إدارود كنيدي عام 1994، لينجح بعد ذلك بتسع سنوات في تولي منصب حاكم الولاية ذاتها لفترة واحدة انتهت عام 2007.
وفي شهر كانون الأول 2007، تحدث رومني أمام حشد من أنصار الحزب الجمهوري في مكتب الرئيس الأسبق جورج بوش الأب ليفنّد الانتقادات التي يتعرّض لها بشأن انتمائه للطائفة المورمونية، ويسعى لتغيير النظرة السلبية عنها. ولم يجد سوى الهجوم على «الإسلام المتطرف» مدخلاً للدفاع عن انتمائه الطائفي، مشدداً على أن «أميركا تواجه نمطاً جديداً من التحديات، فالإسلام المتطرّف الذي يتبنّى العنف يسعى لتدميرنا، كما تحاول الصين أن تتفوّق على زعامتنا الاقتصادية، ونحن في الداخل مهمومون بالتبذير الحكومي والاستهلاك الكبير للنفط والتفكك الأسري».
وحاول رومني التقليل من تأثير الديانة على شخصية أيّ مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن «الحرية تحتاج إلى الدين تماماً كما يحتاج الدين إلى الحرية. فالحرية تفتح نوافذ الروح حتى يكتشف الإنسان عمق معتقداته ويتصل مع الله؛ فالحرية والدين يعيشان معاً أو يختفيان إن أصبح كل منهما بمفرده».
وفي محاولة لكسر التقليد الانتخابي الأميركي بضرورة انتخاب بروتستانتي لمنصب الرئيس الأميركي، قال رومني «منذ نحو 50 عاماً تقريباً، شرح مرشح آخر من ماساشوسيتس أنه كان أميركياً يسعى للفوز بالرئاسة وليس كاثوليكياً يسعى لذلك، ومثله فأنا أميركي أسعى للفوز بمنصب الرئيس. أنا لا أعرف ترشيحي بديانتي، فالمرء يجب ألا يُنتحب بسبب ديانته ويُرفض بسبب معتقداته».
ثم انطلق رومني للحديث عن الحريات الدينية حيث قال «في العام الماضي فتحنا حواراً قومياً حول كيفية الحفاظ على السياسة الأميركية بأفضل الوسائل. ومؤسسو هذه الأمة اكتشفوا العلاقة القوية بين بقاء البلاد حرة وحماية الحرية الدينية».
غير أن هذا لم يقنع بعض المسيحيين الذين لديهم تحفظ على فكرة الله عند المرمونيين، الذين يعتقدون بأن «لديه جسداً مادياً وزوجة». ففي اعتقادهم أن المرمون لا يعبدون الله الواحد، لذلك فهم يرون أن رومني كرئيس لن يستفيد من الإرشاد الإلهي ويتساءلون هل دعوات رومني ستقبل من الله؟
ويروّج رومني لنفسه على أنه «المرشح القادر على إصلاح كل شيء»، وأنه الرجل الذي يُعتمد عليه في مجال الأعمال والذي سيأتي ويصلح المشكلة القائمة في العاصمة. ويُعد رومني في بعض النواحي رجلاً عملياً ولا يبدو أنه يتأثر بإفراط بالإيديولوجيا.
كان متشوقاً جداً للقيام بما يلزم من أجل انتخابه، إلى درجة تقلبت معها آراؤه بشكل أخرق في مسائل الإجهاض وحقوق المثليين جنسياً. فقد أراد في بادئ الأمر استمالة الناخبين في ماساشوستيس، حيث كان حاكماً من عام 2003 حتى عام 2007، ثم استمالة اليمين الديني النافذ سياسياً خلال الحملة الانتخابية الرئاسية. فأعاد رسم ماضيه الشخصي زاعماً أنه رأى والده يتظاهر مع مارتن لوثر كينغ الابن عام 1968، رغم أن الرجلين لم يكونا في المدينة نفسها في هذا التاريخ. ولاحقاً جادل رومني بأنه استعمل كلمة «رأى» بالمعنى «المجازي».

الديموقراطية وقضايا المنطقة

يرى رومني أن القضاء على خطر الجهاديين في العالم الاسلامي هو ما يجب أن يكون هدف أي مشروع أميركي يتحدث عن إصلاح الأنظمة ونشر الديموقراطية في المنطقة. وفي إطار هذه الاستراتيجية، وضع أولوية لإنشاء تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة القوى الدولية الرئيسية بالاضافة إلى الدول الاسلامية المعتدلة لتعزيز قوتها في مواجهة خطر الجهاديين من خلال تعزيز قيم التعليم المدني في المناهج الدراسية، متخذاً المدارس الوهابية مثالاً للمدارس التي تبث القيم غير الديموقراطية.
وينصبّ تركيز رومني على المدخل الاقتصادي للإصلاح لأن «المناخ الاقتصادي السليم سيعيد القوة الدافعة لتحقيق التعاون بين دول المنطقة وازدهارها على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية»، بالاضافة الى خلق شراكات معهم يطلق عليها «شراكات من أجل الرخاء والتقدم». وتمهد هذه الشراكات، من وجهة نظره، لمأسسة التعاون بين دول المنطقة وبعضها على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، وخلق مؤسسة وسيطة تتكفل بتنفيذ الاستراتيجية الأميركية من دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة.
وفي إطار استراتيجيته، يرى رومني أنه «لم يعد من المقبول أن تستخدم الآلة العسكرية للتأثير على العقول والقلوب في المنطقة، ولكن ليس من المقبول أيضاً السكوت عن وضع هذه المجتمعات، ما يولد تحديات ومستجدات في المستقبل لن تستطيع الولايات المتحدة التصدي لها».
ينظر رومني إلى جهود الولايات المتحدة لنشر الديموقراطية في المنطقة باعتبارها إطاراً لمواجهة الخطر النووي الإيراني الذي من الممكن أن يصل الى أيدي الجهاديين من ناحية، وكذلك لتأمين مصادر الطاقة للولايات المتحدة التي تسيطر عليها نظم حكم غير ديموقراطية من ناحية أخرى.




مايك هاكابي

ولد مايك هاكابي عام 1955 في مدينة هوب، مسقط رأس الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في ولاية أركنساو. نشأ في بيئة متواضعة، وكان عازف غيتار في فرقة «كابيتال أوفنس». ويصف نفسه بأنه ابن الشعب.
قبل أن ينخرط في العمل السياسي، كان هاكابي قسّاً يحمل «بكالوريوس في الدين»، و«ماجستير في علم اللاهوت». رأس المجمع المعمداني في أركنساو (490 ألف عضو)، قبل أن يدخل المعترك السياسي عام 1992 بالسعي لشغل منصب في مجلس الشيوخ.
في عام 1998، وقف هاكابي أمام حشد من القساوسة المعمدانيين وراح يشرح مبرراته لاقتحام المجال السياسي، قائلاً «لقد انخرطت في السياسة؛ لأنني أعرف أن الحكومات لا تمتلك الإجابات الحقيقية التي تتمثل في القبول بعيسى المسيح في حياتنا. إنني آمل أن نعيد هذه الأمة إلى رحاب المسيح».
ربما كان هاكابي ذا خبرة في الشأن الداخلي، حيث شغل منصب حاكم ولاية أركنساس (1996-2007)، وقبلها نائب حاكم الولاية (1993-1996)، ولكنّ المراقبين يرون أنه يفتقر إلى الخبرة السياسية والحنكة في التعامل مع القضايا الدولية. ويستدل المحللون والمتابعون على ذلك بأن هاكابي ألقى في شهر تموز الماضي خطاباً مطوّلاً خالياً من أي ذكر للسياسة الخارجية.
ويرى مراقبون أن هاكابي يعزف على وتر الخطاب اليميني المتطرف، معتبراً أنه الورقة الرابحة للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، وهو ما يجد صدى لدى جمهور الناخبين المحافظين. وكشفت منظمة «شعب من أجل الطريق الأميركي»، وهي منظمة حقوقية أميركية معنية بمراقبة اليمين المتطرف والمحافظين الجدد، عن تصريحات لهاكابي أمام أعضاء من اليمين في مؤتمر للحزب يؤكّد فيها «أنه واحد منهم»، وأن «لغة صهيون» (العبرية) هي «لغتي الأم» وليست «لغتي الثانية». ويصف إسرائيل بأنها «أهم حليف وأعظم صديق» في الشرق الأوسط. ويرى أن احتلال العراق بمثابة حرب دينية. يؤمن بأن الولايات المتحدة تخوض حرباً عالمية جديدة ضد من وصفهم بـ«الفاشيين الإسلاميين». «السياسة الخارجية: إسرائيل»
أراد هاكابي أن يعزف على نغمة التقرب من إسرائيل واختصار رؤيته للسياسة الخارجية الأميركية، فبثّ على موقعه الإلكتروني مقالاً حمل عنوان «السياسة الخارجية: إسرائيل»، قال فيه «أحيي إسرائيل وأدعمها كحليف في الحرب على الإرهاب، فهي أعظم صديق لنا في المنطقة. إنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وهي شريك مهم في نشر الحرية والديموقراطية».
ولا يتوقف هاكابي عن مغازلة الخطاب اليميني المتطرف. ويقول: «أؤمن بأننا نخوض الآن حرباً عالمية ضد الفاشيين الإسلاميين المتشددين الذين أعلنوا الحرب على بلدنا وعلى طريقتنا في الحياة. لقد أقسموا على إبادة كل من يؤمن بالمجتمع الحر، باسم الحفاظ على الدين. سوف أخوض الحرب على الإرهاب بالشدة التي يستحقونها».

قس مخلص للكنيسة

يرى مراقبون أنه على الرغم من التدرج السياسي لهاكابي حتى وصل إلى منصب حاكم ولاية أركنساو، فهو لا يزال مخلصاً لقضايا الكنسية، ولا يهمه فقدان أصوات الناخبين، أو انفضاض الأنصار والمؤيدين من حوله.
وفي ضوء ذلك، يقول هاكابي «أدعم بقوة التعديل الدستوري الذي يعرّف الزواج باتحاد رجل واحد بامرأة واحدة. كرئيس سأقاتل، إذا ما وصلت إلى الرئاسة، من أجل تمرير هذا التعديل الذي يقصر الزواج على هذا النحو».
وبرغم خسارته في الانتخابات التمهيدية في نيو هامشير، فإن فوزه في تمهيدية أيوا جعل منه نجماً، ليعيد إلى الأذهان الصعود السريع للرئيس الديموقراطي الأسبق جيمي كارتر.

«حرب عالمية ثالثة»

يُعرف عن هاكابي دعمه لقرار الحرب على العراق، التي يرى أنها «حرب عالمية ثالثة»، مضيفاً «إنها حرب دينية». يقول «إننا في حاجة لإدراك أن هذه، في الواقع، حرب عالمية ثالثة. وبخلاف أية حرب عالمية أخرى خضناها من قبل، فإن هذه واحدة لا يسعنا أن نخسرها».
وأيد هاكابي خطة الرئيس جورج بوش لتعزيز القوات الأميركية في العراق بثلاثين ألف جندي. وقال «عليّ أن أضع ثقتي في الأفراد الموجودين هناك الذين يستنشقون الرمال إلى رئتيهم ويطأون الأرض بأقدامهم يومياً، والذين ربما يعرفون بشأنها بصورة أكثر قليلاً من هؤلاء الذين بيننا والذين لا يملكون دفتراً مليئاً بالتقارير الاستخبارية للنظر فيه».
ويقف هاكابي ضد فكرة تحديد جدول زمني لسحب القوات الأميركية من العراق، كما يعارض كذلك خطط تقسيم هذا البلد إلى ثلاث مناطق. يوضح أنه إذا ما تولى رئاسة أميركا، فلن يقوم بسحب القوات «بأي صورة أسرع مما سيوصي به القائد العسكري للقوات في العراق» الجنرال ديفيد بيترايوس. كما يرى أنه يتعين على الحكومة العراقية أن تتعامل مع المسؤوليات الأمنية، مبرراً ذلك بأن الأميركيين لن يظلوا في العراق إلى أجل غير مسمى. وعن رفضه تحديد جدول زمني للانسحاب، قال إن الأمر «يشبه لعبة البيسبول، لا كرة القدم، لذا فلا يمكنك أن تضع توقيتاً محدداً».

إيران: تفاوض وعقوبات

يرى هاكابي أن احتواء الأزمة النووية الإيرانية يجب أن يكون عن طريق الاعتماد على المفاوضات المباشرة، وتشديد العقوبات الاقتصادية بالتعاون مع المجتمع الدولي، من دون استبعاد التدخل العسكري. وقال، أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، «علينا أن نكون حازمين دبلوماسياً كما نحن حازمون عسكرياً منذ الحادي عشر من أيلول». ورأى أن «الحل العسكري خيار مطروح على طاولة البحث حول الشأن الإيراني».
كما قال هاكابي، في تشرين الأول 2007، «أعتقد أن الرئيس على صواب في أن يبدأ بمحاولة استنزافهم قبل أن نقصفهم. هذا أسلوب جيد للبدء. ولكن، مجدداً، علينا أن نكون مستعدين لاتخاذ أي تحرك». ويرى أن «الحصول على مصادقة الكونغرس إذا ما استدعت الضرورة توجيه ضربة عسكرية أمر غير لازم».