strong>بول الأشقر
تظاهر الملايين من الكولومبيّين مرتدين اللون الأبيض، ضدّ المنظّمة اليساريّة المسلّحة الـ«فارك» في أوسع تحرّك شعبي عرفه البلد في تاريخه. ونُظمت التظاهرات، التي جاءت بناءً على دعوة نُشرت على شبكة الانترنت قبل نحو شهر، في 45 مدينة كولومبية، وتركّز العدد الأكبر في العاصمة بوغوتا، حيث نزل إلى الشوارع أكثر من نصف مليون شخص، حتّى إنّ مهاجرين كولومبيّين تظاهروا ـــــ ولو رمزياً ـــــ في 150 دولة.
ومُنيَت الـ«فارك» بهزيمة معنوية كبيرة إثر نجاح التحرّك الذي تخطّى النقابات والأحزاب والأطر التقليدية. والمبادرة من صنع ستّة شباب من مدن كولومبية مختلفة قاموا بها على موقع «فايس بوك»، ونجحوا في فترة شهر في ضمّ 250 ألف مواطن غالبيّتهم من الشباب. وتميّز هذا التحرّك، الذي ظلّله شعار «حرية حرية»، و«كفى قتلى، كفى كذباً، كفى خطفاً، كفى فارك» بقساوة انتقاداته للمنظّمة، كذلك خرج عن النمط الذي يوزّع دائماً مسؤوليّات العنف على اليمين واليسار وعلى السلطة.
ونشأت فكرة التحرك إثر الأحداث الأخيرة المحيطة بعملية إطلاق الرهائن، ونتيجة عرض صور وأفلام عن الرهائن المقيّدين بالأصفاد في الأدغال، كان لها وقع قوي على الكولومبيّين، فيما كانت الـ«فارك» تنوي من خلالها إيجاد «إثباتات حياة» دليلاً على حسن النية في التفاوض. وأظهرت استطلاعات الرأي أنّ أحداث الأشهر الأخيرة في كولومبيا زادت من شعبية الرئيس ألفارو أوريبي، التي تخطّت للمرة الأولى، عتبة الثمانين في المئة من التأييد، فيما وصل منسوب نبذ المنظمة إلى مستوى تاريخي أيضاً تخطّى الـ95 في المئة من الكولومبيّين.
أما أسر الرهائن، ففضّلت عدم المشاركة في التحرك وتجمّعت في الكنائس إمّا تخوّفاً من ردّ فعل الثوّار، وإمّا لعدم موافقتها على نمط طرح قضيّتهم. كذلك انقسم قادة «الجبهة البديلة الديموقراطية»، وهي أكبر منظمة يسارية معارضة لأوريبي، حيال التحرّك؛ فمن بين قادة اليسار من ساوى بين الـ«فارك» والرئيس الموالي للغرب، وهؤلاء رفضوا المشاركة في التحرك. وآخرون من القادة الأكثر شعبية التي تضمّ مرشحي الرئاسة المحتملين وحكام المحافظات وعميدي العاصمة بوغوتا الحالي والسابق، انضمّوا إلى التظاهرات بشعاراتهم الخاصّة.
لن يغيّر التحرّك ميزان القوى العسكري بين المنظّمة اليسارية والجيش النظامي الذي بات يتمتّع بالمبادرة العسكرية منذ وصول أوريبي إلى السلطة. لكنّ التظاهرات «التاريخية» تمثّل من دون شكّ، ضربة معنوية قاسية للخاطفين، وتمدّ أوريبي، في المقابل، بدعم أكبر، خصوصاً أنّ الأخير بحاجة ماسّة إلى هذه الدفعة في ظلّ تعاظم مشاكله مع القضاء، وفي الوقت الذي كُشف فيه عن تورّط حلفائه وقسم من قادة الجيش في مجازر مع الميليشيات اليمينية المتطرفة، لا تقلّ وحشية عن أعمال الـ«فارك»، لكنها مجازر غابت عن السمع في التظاهرات المليونية أمس.
وعلمت «الأخبار» أنّ أوريبي، في محاولة منه لقطف ثمار هذه المرحلة، قد يعيّن في الأيّام المقبلة «فريقاً أميركيّاً جنوبيّاً» يضمّ أشخاصاً من الأرجنتين والبرازيل وكوبا وفنزويلا، إلى جانب «الترويكا الأوروبية» (سويسرا وفرنسا وإسبانيا) التي أعاد تفعيلها، والكنيسة الكاثوليكية، وسيطاً في مسألة الرهائن.
وكانت الـ«فارك» قد حاولت امتصاص النقمة الشعبية عليها، وذلك عشيّة التحرّك، حين أعلنت أنها ستفرج عن ثلاثة مخطوفين «سياسيّين» بحوزتها من دون مقابل، وستسلّمهم إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.