strong>ربى أبو عمو
غنّت صربيا على ليل الاتحاد الأوروبي؛ فزعيم الحزب الديموقراطي بوريس تاديتش حافظ على كرسيه الرئاسي عبر فوزه على خصمه القومي المتشدّد توميسلاف نيكوليتش في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي، لترمي بلغراد صفحة البلقان الدموية، وتاريخ رئيسها السابق سلوبودان ميلوسيفيتش خلف ظهرها، كأنها تعلن نفسها من جديد: المرأة ذات السمعة الحسنة القادرة على التكامل مع الاتحاد الأوروبي.
تاديتش، بعد فوزه، بات قادراً على رفع صوته: «نحن ديموقراطية أوروبية. أظهرنا لعدد كبير من أعضاء الاتحاد الأوروبي القدرات الديموقراطية لهذا البلد».
ربما استفاد أستاذ علم النفس السابق من خبرته في هذا المجال، وأسقطها على علم السياسية، من خلال تركيزه على تكريس صورة الاتحاد الأوروبي على أنه منقذ صربيا، والقادر على نقلها إلى عالم أكثر انفتاحاً، رافضاً في الوقت نفسه بيع كوسوفو إلى الألبان، رغم الدعم الأوروبي والأميركي لهذا التوجه.
يدرك تاديتش أن عليه أن يكون الرجل صاحب العيون الثلاث، لكونه يواجه ثلاثة ملفات رئيسية ومتكاملة، تطل قضية إقليم كوسوفو كالنعامة فيها، كأنها البوصلة التي ستحدد مصيرها. الملف الأوّل داخلي، يتمثّل في كيفية احتواء القوميين الصرب المؤيدين لنيكوليتش، إضافة إلى علاقة بلغراد مع الاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة ثانية، لتأتي كيفية الدمج الروسي ـــــ الأوروبي بالمحصلة.
داخلياً، مع تبلور التشدّد الصربي داخل بلغراد، الذي مهّد له نيكوليتش، لن تكون مهمة تاديتش سهلة. إذ سيمارس الأخير ضغطاً داخل الحكومة، وخصوصاً في الموقف من استقلال كوسوفو. ويضاف إلى ذلك موقف رئيس الوزراء الصربي فويسلاف كوستونيتشا المنتمي إلى التيار القومي، الذي رفض دعم تاديتش في الاقتراع الرئاسي رغم أنه حليفه في الائتلاف الحكومي، مشيراً إلى أنه لم يقدم ضمانات كافية ضد استقلال كوسوفو.
وعلى صعيد العلاقات الصربية ـــــ الأوروبية، كان الاتحاد الأوروبي دعم تاديتش الذي أبدى استعداده للتعاون مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، على قاعدة أن بلغراد «مضطرة للتعاون» مع القضاء الدولي أو ستواجه عزلة دولية.
التفاهم بين شخصية تاديتش والشخصيات الأوروبية الممثّلة للاتحاد، ستدفع بالأخير إلى تليين موقفه تجاه مسألة استقلال الإقليم، ولو لفترة مؤقتة، وتسريع عمليه انضمام صربيا إليه عوضاً عن كوسوفو، مع ترضية أخرى قد تتمثّل في حفظ ماء وجه صربيا تجاه الإقليم.
وفي ما يتعلق بدور الحليفة التاريخية روسيا، قد تكون موسكو، للوهلة الأولى، في موقف حرج لعدم فوز مرشحها نيكوليتش في الانتخابات. إلّا أنها تدرك أن التعاون مع رئيس أقل تشدداً يمكن أن يأتي بثماره عليها بصورة أفضل، وخصوصاً بعد الشراكة الأخيرة بينهما في موضوع الغاز، والحاجة الأوروبية إلى روسيا في هذا المجال.
فهل يتمكن تاديتش من حل لغز التوازن الثلاثي، أم يرتدي قبعة الإخفاء ويرحل؟