واشنطن ــ محمد سعيد
لم يحسم «الثلاثاء الكبير» السباق إلى نيل البطاقة المؤهّلة لخوض الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. فالحزب الديموقراطي وزّع أصواته بتقارب بين السيناتورين هيلاري كلينتون وباراك أوباما في الولايات الـ24 التي شهدت الانتخابات التمهيدّية، فيما لم يقضِ السيناتور جون ماكاين كلياً على آمال زملائه الجمهوريّين، وإن كانت حظوظه قد تعزّزت بشكل هائل

أكّدت النتائج الأوليّة للانتخابات التمهيديّة للرئاسة الأميركيّة، التي جرت في 24 ولاية أوّل من أمس، ما تنبّأت به استطلاعات الرأي، حيث تقدّمت السيناتور هيلاري كلينتون في أبرز الولايات العملاقة التي تحظى بأكبر عدد من المندوبين للمؤتمر القومي للحزب الديموقراطي، من بينها كاليفورنيا ونيويورك وماساشوسيتس ونيوجيرسي، فيما فاز منافسها باراك أوباما في 14 ولاية مؤثّرة من بينها ألاباما وجورجيا وميزوري، إضافةً إلى ولايته إلينوي.
وتسبّب هذه النتائج تقارب عدد المندوبين لكلّ من السياسيّين ما يعطي الولايات الباقية التي ستشارك في الانتخابات التميهيديّة في وقت لاحق من الشهر الجاري والشهرين المقبلين، أهميّة استثنائية في عملية حسم الترشيح نظراً لأنّ توزيع المندوبين عن الولايات يجري بالتناسب مع نسبة الأصوات التى حصلوا عليها بينما يقضي النظام لدى الجمهوريين بأن يحصل الفائز في معظم الولايات بأكبر عدد من أصوات الولاية على جميع أصوات مندوبيها.
وبينما لم تتحقّق أماني كلينتون في حسم السباق مبكراً من خلال قطف «الثلاثاء الكبير»، اكتسح الجمهوري جون ماكاين تسع ولايات، من بينها عدد من الولايات المهمّة التي تتمتع بنسبة كبيرة من أصوات المندوبين بينها نيويورك وكاليفورنيا، ليعزّز مكانه باعتباره حصان الجمهوريين الرابح للترشّح للانتخابات، فيما أشار فوز منافسه اللدود، الحاكم السابق لماساتشوسيتس، ميت رومني، بنسبة 32 في المئة من الأصوات في قلب أريزونا، مسقط رأس ماكاين، إلى تزعزع ثقة ناخبيه في ممثلهم المخضرم في مجلس الشيوخ.
ماكاين (71 عاماً) حصل بحسب النتائج الأوليّة، على 560 مندوباً في مقابل 222 لرومني و154 لمايك هاكابي، علماً بأنّ إجمالي عدد مندوبي الولايات الـ24 التي خاض فيها الجمهوريّون سباقهم، يبلغ 1023 مندوباً. ولنيل ثقة حزبه، يتعيّن على المرشح الجمهوري الحصول على 1191 صوتاً فى المؤتمر القومي.
أمّا في الجانب الديموقراطي، فقد حظيت كلينتون بـ845 مندوباً، بينما حظي منافسها الأسود بـ765 مندوياً. وتساهم الولايات الـ22 التي شاركت في انتخابات أوّل من أمس، بنحو 1681 مندوباً. ويتعيّن الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة الحصول على 2025 مندوباً.
ويُعدّ الفوز بكاليفورنيا قمّة الانتصار في يوم «الثلاثاء الكبير»، نظراً لتأثير الولاية القوي في مسار السباق وما تتمتّع به من عدد كبير من المندوبين الذين سيصوّتون لاختيار مرشّحي الحزبين في المؤتمرين القوميين للديموقراطيين في آب المقبل، وللجمهوريين في أيلول المقبل.
غير أنّ النتائج تشير إلى أنّ «الثلاثاء الكبير» أظهر أن «لا فائز محدّداً» حتى الآن، حسبما أوضح الخبير السياسي في كلية ميدلبيري في فيرمونت، إريك دايفيس. وفي هذا الصدد، قال المساعد السابق لنائب الرئيس السابق آل غور، مايكل فلدمان، إنّ «كلينتون كانت تفترض في كانون الأوّل (الماضي) أنّها ستحصل على الترشيح الثلاثاء. واعتقدت أنها ستواجه بعض الصعوبات في البداية ثم تحقق النصر يوم الثلاثاء الكبير، إلّا أنّ ذلك لم يحدث». وأوضح أنّه إذا لم يتمكّن أوباما أو كلينتون من الحصول على فوز واضح في انتخابات الأسبوع المقبل «فهناك فرصة كبيرة لأن لا تتّضح هذه المسألة إلّا عند إجراء الانتخابات التمهيدية في بنسلفانيا في 22 نيسان».
وتجدر الإشارة إلى أنّ التمهيديّات المقبلة ستكون السبت المقبل في لويزيانا ونيبراسكا وواشنطن، تتبعها انتخابات الثلاثاء المقبل في ميريلاند ونيوجرزي وواشنطن العاصمة، حيث يحظى أوباما بتأييد واسع.
أمّا بالنسبة إلى الجمهوريّين فالحدث المهم، بحسب دايفيس، هو أنّ «ماكاين لا يزال في المقدمة، لكنّه كان يأمل أن يتمكّن من حسم حصوله على الترشيح الليلة (أوّل من أمس)، إلّا أنّ ذلك لم يحدث». وإذ أكّد أنّ «أوباما لديه قوّة لكنّه لم يحقّق فوزاً واضحاً»، قال دايفيس إنّ «ما يخشاه الجمهوريّون هو أن يرشّح الديموقراطيّون شخصاً استطاع أن يحصل على دعم كبير لا يشبه أيّ شيء شهدناه خلال الأعوام الـ15 الماضية».
ومع توالي النتائج تباعاً في صراع امتدّ من كونتيكيت إلى كاليفورنيا، تراشق المتنافسان التهاني. وقالت كلينتون، في «كلمة الانتصار» في نيويورك بعدما هنّأت غريمها، «إنني أتطلّع إلى مواصلة حملتنا ومناظراتنا حول ترك بلد أفضل لأجيالنا المقبلة». فيما أكّد أوباما أنّ حملته من أجل التغيير مستمرّة وأن الأميركيين يتطلّعون لهذا التغيير في الخريف المقبل الذى سيشهد الانتخابات الرئاسيّة الـ65 فى تاريخ الولايات المتحدة.
وفي كلمته التي ألقاها فى شيكاغو، شدّد أوباما على أنّه يستطيع بالعزم ودعم أنصاره أن يُحدث تغييراً وفارقاً يأخذ بالبلاد إلى المسار الصحيح. وقال: «اليوم في نهار الثلاثاء هذا من شهر شباط، في ولايات الشمال والجنوب، الشرق والغرب، ما بدأ همساً في سبرينغفيلد (إيلينوي حيث أطلق حملته الانتخابية قبل عام) أضحى اليوم هتاف ملايين الأشخاص المطالبين بالتغيير. إنّه هتاف لا يمكن تجاهله، لا يمكن إسكاته». وأضاف «علينا هذه المرّة أن نطوي الصفحة، علينا هذه المرّة أن نكتب فصلاً جديداً في التاريخ الأميركي... نعم، في وسعنا القيام بذلك. لقد جاء زمننا، حركتنا حقيقيّة. والتغيير مقبل لأميركا».
وتبيّن في الجانب الجمهوري، أنّ غالبيّة الدعم الذي حظي به ماكاين جاء من «المعتدلين» وأولئك الذين يفضّلون الخبرة والقيادة القويّة في مرشّحهم، بينما كان منافسه رومني مفضّلاً لدى معظم الناخبين المحافظين والمعارضين للهجرة غير الشرعية والذين يرون أن للاقتصاد الأولويّة على قضايا خارجية مثل الحرب على العراق وأفغانستان فضلاً عن التابعين للديانة المورمونيّة.
وقد رأى ماكاين، الذي يحظى بدعم بعض المستقلّين والجمهوريّين المعتدلين، أنّه «الأوفر حظاً» للفوز بترشيح الحزب الجمهوري. وقال، مخاطباً مؤيّديه المتجمّعين في مركز حملته الانتخابية في فينيكس في أريزونا، «فزنا في بعض أهم ولايات البلاد، أعتقد أنّه ينبغي اعتياد فكرة أنّنا الأوفر حظاً بين مرشّحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية».
غير أنّ ماكاين يتعرّض لانتقادات اليمين الأكثر محافظة في حزبه، آخذاً عليه تأييده إصلاح الهجرة ومعارضته حظر زواج مثليّي الجنس وازدراءه المعلن لبعض قادة اليمين الديني.



دور اللون والجنس... والتصويت اليهودي

أبرزت انتخابات «الثلاثاء الكبير» تحيّزاً للون والجنس بين قطاع كبير من الناخبين. فقد كشف سباق الديموقراطيّين، الذي تجلّت فيه هذه الظاهرة بوضوح، من خلال تصويت أكثر من 11 مليون ديموقراطي، تقدّم باراك أوباما على هيلاري كلينتون بين الرجال البيض الذين شكّلوا ربع الناخبين، والذين زاد عددهم بفضل خروج السناتور السابق، جون إدواردز، من السباق. وبالتالي، وجد هؤلاء أنّ الأقرب إلى فكر مرشّحهم المنسحب هو أوباما، الذي تقدّم إلى حد كبير بين السود من الجنسين عامّة، بالإضافة إلى الشباب.
وفى المقابل، حظيت كلينتون بأصوات 60 في المئة من النساء البيض، وبالنسبة ذاتها من ذوي الأصول اللاتينية الذين ينشدون الخبرة والتمرّس في مرشّحهم، بالإضافة إلى غالبية أصوات كبار السن. كما حقّقت فوزاً كبيراً بين الناخبين اليهود في ولايتي نيويورك ونيوجرسي، فيما الصورة كانت متقاربة في النتائج التي تحققت في الولايات الأخرى بالنسبة إلى الشريحة نفسها، حسبما ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» على موقعها على شبكة الإنترنت.
وكانت نسب مشاركة الناخبين اليهود الديموقراطيين في الانتخابات التمهيدية متفاوتة، حيث سجّلت في نيويورك 16 في المئة، وفي كونيتيكت 10 في المئة، وفي نيوجرسي 9 في المئة، وفي ماساشوستس 6 في المئة وفي كاليفورنيا 5 في المئة.
(الأخبار، يو بي آي)