نيويورك ــ نزار عبود
تقترب الفترة الانتخابية الثانية للمحافظين الجدد من نهايتها، ولم تكتمل المهمات بعد. وعليه، لا بد من التنظير لخطة تتجاوز الشهور والسنين لتحقيق الهيمنة. المنظّر لذلك هو مندوب أميركا الدائم لدى الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد، القطب المعروف بين المحافظين الجدد. نظريته تطالب بإسقاط سياسة الاعتماد على الحلفاء الأقوياء وفرّق تسد، لأنها محكومة بالفشل، وبالعمل على مستوى المنظمات الشعبية المعتدلة عبر الحدود. درس تعلّمه من «التنظيمات الإسلامية المتطرفة».
غير أن نظريات خليل زاد وأسلوبه لا يتفقان مع السياسة المعلنة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس،التي أعلنت أمس استدعاءه وتأنيبه لمشاركته في نقاش مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في دافوس الشهر الماضي.
وخليل زاد، أحد أقطاب المحافظين الجدد القلائل الذين استطاعوا الصمود في وجه الأعاصير السياسية والعسكرية على مدى عقدين تولّى فيهما مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، يعزو نجاحه إلى تجربته القصيرة التي قضاها في الجامعة الأميركية في بيروت عندما كان طالباً مبتعثاً، فضلاً عن أصوله الأفغانية وثقافتيه الفارسية والأميركية.
استعرض الأكاديمي السابق والسياسي المحنك رؤيته للشرق الأوسط من منظار خبير في محاضرة في جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي. قال إنه «من خلال نقاشاته مع الناس في أفغانستان والعراق، وجد المنطقة تتوق إلى الحياة الطبيعية والعودة إلى عاداتها وتقاليدها الأصيلة». وبرأيه، ينبغي أن ترتكز الاستراتيجية الأميركية على هذه الناحية تحديداً. وبعبارة أخرى إنه إذا استطاعت الولايات المتحدة إعادة الحياة الطبيعية إلى شعوب هذه المنطقة «المؤثرة على مستقبل العالم»، فإنها ستحقق فيها الانتصار التاريخي. فالشعوب «لا تريد نمطاً ديموقراطياً ولا مدناً حديثة على غرار الغرب»، كما لا تريد متطرفين متعصبين يسعون لفرض رؤيتهم الخاصة وتفسيرهم للدين والحياة.
ولتحقيق هذه الغاية، يدعو خليل زاد بلاده إلى مساعدة دول الشرق الأوسط على التنمية الاقتصادية، والتخلي عن قضية الديموقراطية في الوقت الراهن، مقدماً تجربة دول جنوب شرق آسيا المسلمة مثل ماليزيا وأندونيسيا. الأمر الآخر هو تبني استراتيجيات متنوعة وخاصة مع الحكومات الشريكة وفق الظروف الخاصة بكل منها من أجل «تحقيق التغيير الإيجابي».
وأضاف الدبلوماسي الأميركي أنه من خلال تجربته في العراق وأفغانستان عمل على بناء نظم ترتكز على قيم ومفاهيم عالمية، لكنه أدرك أن «الدستور والمؤسسات القادرة على منح القيم حياة يجب أن تكون بألوان التاريخ الأفغاني والتاريخ العراقي والثقافة والدين»، داعياً لمساندة طموحات الشعوب، ومحذّراً من أن «دورة الاعتماد على الأقوياء وعلى قاعدة فرّق تسد لا تؤدي إلا إلى الفشل».
الخطوة الثالثة التي يقترحها تقوم على مبدأ محاكاة «النظم التي يتبعها الخصوم في المنطقة وخارجها»، وذلك بدعم منظمات وجمعيات شعبية غير حكومية. وقال إن «التنظيمات المختلفة تتمتع بشبكات محلية في كل دولة، فلا تحتاج إلى نقل الخبرات أو الاستعانة بكوادر من الخارج. وهذه الشبكات قادرة على تلبية هموم المجتمعات التي تعيش في وسطها». ورأى أن «المنظمات المناوئة للولايات المتحدة تبقى أكثر تأثيراً في الانتخابات التشريعية، بسبب تنظيمها وعلاقاتها الشعبية». وفي إطار دعم التنظيمات، دعا إلى «إصلاح التعليم والإعلام المستقل، والشراكة بين الجامعات، وتطبيق برامج واسعة لتبادل الطلبة، وإيجاد صناديق استثمار لدعم الأعمال والمبادرات الفردية، وبناء الجسور بين منظمات المجتمع وغيرها».
وأوضح أن تلك الأساليب تساعد على «إقامة علاقات شخصية، ونقل الخبرة الاجتماعية، ومساعدة مجتمعات، مثل أفغانستان، على اقتباس العبر من العالم المتقدم والشعوب الناجحة».
إلى جانب مناصبه الدبلوماسية في أفغانستان والعراق، استطاع زلماي خليل التوفيق بين المتناقضات داخل الإدارة الأميركية، وبقي مقبولاً من الصقور والحمائم. إنه أكاديمي يفهم السياسة الميكيافيلية تماماً، ويستطيع «التوفيق بين الآراء المتناحرة وبلوغ نتائج في الظروف الصعبة» كما يوصف في واشنطن.
في دافوس، أثار خليل زاد غضب الكثيرين في الإدارة الأميركية عندما جلس إلى جانب وزير خارجية إيران منوشهر متكي. وفي أيلول الماضي، حضر احتفالاً في الأمم المتحدة أفغانياً ــ إيرانياً ــ تركياً مشتركاً بالذكرى الـ700 لولادة الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي. وتراه في مجلس الأمن الدولي يتحدث براحة إلى نظيره السوري بشار الجعفري، رغم أن الحديث يقتصر على المجاملات واستخدام عبارات عربية تعلمها في بيروت والعراق.
قد يبدو «الملك زاد»، كما يسمى في واشنطن، مختلفاً عن سلفه جون بولتون بأسلوبه الدبلوماسي المرن وليونته في التعاطي مع القضايا الدولية من خلفيات ثقافية متنوعة. إلا أنه يتفق معه تماماً في أن «الاستسلام ليس خياراً». وإذا كان بولتون يؤمن بالحلول العسكرية السريعة ولا يتعلم من تجاربه الفاشلة، فإن خليل زاد يخطط لمرحلة ما بعد الديموقراطيين الزاحفين لاحتلال البيت الأبيض في نهاية السنة. وربما يمهد بتنظيره السلمي إلى أداء دور حتى في الإدارة الديموقراطية المقبلة.